إسكان الشنان.. ما الذي يحمله لنا من عنوان؟

25/07/2016 4
د. سليمان عبدالله الرويشد

مدينة الشنان مقر المحافظة التي تحمل ذات الاسم، وتقع على بعد نحو ثمانين كيلومترا إلى الشرق من مدينة حائل، بالقرب من الطريق السريع الذي يربط منطقتي حائل والقصيم، هي مدينة صغيرة من حيث عدد السكان، حيث لا يتجاوز إجمالي سكان المدينة الثمانية آلاف ساكن، يشغلون ما يربو على الألف وحدة سـكنية، إلا أن تلك المدينة حظيت مبكراً، بأحد مشاريع الإسكان الحكومي الكبيرة نسبياً من حيث الطاقة الاستيعابية، مقارنة بحجم المدينة الحالي، حيث خصص لهذا الغرض في المدينة مساحة أرض تزيد عن المليون متر مربع، أي بطاقة استيعابية كافية لإسكان ما يزيد عن العدد الحالي القائم لسكان المدينة (أكثر من ثمانية آلاف ساكن إضافي..!)، وقد تم بالفعل الإعلان منذ فترة قريبة عن توزيع الوحدات السكنية التي تم إنجاز بنائها ضمن المشروع، ويبلغ عددها (111) فيلا سكنية، مساحة كل منه (500) م2، وذلك على المستحقين من مواطني تلك المحافظة، إلا أنه ما كاد يمضي نحو شهر أو يزيد على توزيع تلك الوحدات حتى نشرت احدى الصحف مؤخراً عن خبر رفض مستحقي الوحدات السكنية بذلك المشروع اسـتلام وحداتهم وذلك بسبب ارتفاع القسط الشهري البالغ (2400) ريال لكل وحدة سكنية، وأنه اقتصر عدد الساكنين في المشروع حتى الآن على اربع وحدات سكنية، أو ما يعادل (4%) فقط من اجمالي المساكن التي تم إنشاؤها.

إن رفض نحو (96%) من المستحقين للوحدات السكنية القائمة في ذلك المشروع استلامها، وطلبهم أيضاً الغاء أسمائهم من قوائم التوزيع، بسبب ارتفاع قيمة القسط الشهري واستقطاعه جزءًا كبيراً من دخلهم لغرض امتلاك تلك الوحدات السكنية، يوحي وعلى أقل تقدير أن هناك بديلا آخر أقل تكلفة بالنسبة لهم، متوافقا مع امكانياتهم، سواء كان ذلك تملكاً إن أمكن أو استئجاراً على الأقل، فهم أبناء تلك المدينة الصغيرة المحيطون جميعاً بكل تفاصيلها والقادرون أكثر من غيرهم على تقييم كافة الفرص المتاحة لهم، بما في ذلك بدائل السكن، هذا الاحتمال الذي قد يكون أقرب للواقع، يعززه القاء نظرة سريعة عبر صور "جوجل" الفضائية لتلك المدينة المتناثرة مساكنها على مساحة كبيرة من المخططات السكنية، التي تظهر بوضوح حجم الرصيد الكبير من قطع الأراضي السكنية الشاغرة في تلك المخططات، التي تصلها شبكة الشوارع المسفلتة، وربما أيضاً شبكة المرافق الأساسية الأخرى من كهرباء ومياه، وتكفي لتلبية طلب النمو السكاني للمدينة على مدى سنوات قادمة، إن لم تكن عقودا، وغير خاف أن نسبة من تلك الأراضي السكنية الشاغرة مهما قلت هي معروضة للبيع، وبقيمة معقولة في تلك المدينة الزراعية الصغيرة الهادئة، بل وقابلة في ذات الوقت لإمكانية إقامة وحدات سكنية عليها بالحد الأدنى من المساحة المطلوبة، وبتكلفة تقل بالتأكيد عن تكلفة الوحدات في مشروع الإسكان الحكومي، فلماذا والحال كذلك يتم القبول ببديل مكلف طالما هنالك خيار آخر يحقق المطلوب وبقيمة سوقية منافسة..؟

إن مشروع إسكان محافظة الشنان الذي يقتضي الإنصاف الإشارة إلى أنه إرث من الإدارة السابقة في وزارة الإسكان، بما انتهت إليه مرحلته الأولى من ظروف أشير لبعض نتائجها دون تتبع أسباب الانتهاء إلى تلك النتائج يحمل في الواقع عدة عناوين، ربما لا يعطي الحيز المتاح الفرصة لتسليط الضوء عليها جميعاً، إلا أن الاكتفاء ولو على الأقل بإبراز أهمها يوضح أن من أول ما يتضمنه ويحمله من عناوين هو أن هناك بداية لنشوء فجوة تتسع يوماً بعد يوم في عمليـة التنمية بمدننا بين التخطيط العمراني في تلك المدن والتخطيط لمشروعات الإسكان، ولعل مدينة الشنان خير مثال حي يجسد ويعبر عن ذلك، ثانياً أن بعض من يقوم بتخطيط وتصميم مشروعات الإسكان الحكومي من المكاتب الاستشارية لا يبدو ملماً ومحيطاً على نحو كاف بإمكانيات واحتياجات المستهدفين بتلك المشروعات وذلك ليتوافق في مخرجاته مع تلك الإمكانيات ويلبي في منتجاته السكنية تلك الاحتياجات، وهذا الواقع هو ما يؤكده الحال التي انتهى إليها مشروع الإسكان بمحافظة الشنان في مرحلته الأولى، أما الثالث فهو فقدان بوصلة بعض مشروعات الإسكان للاتجاه الصحيح فيما يتعلق بالأولوية في توزيع وحجم تلك المشروعات وبالتالي الخشية من أن يصاحب ذلك تشتت في الجهود وهدر في الانفاق على قطاع الإسكان الحكومي.

بقيت أهمية الإشارة إلى ما ينبغي استدراكه في المرحلة الثانية من مشروع الإسكان بمحافظة الشنان وهو توزيع نحو (950) أرضا سكنية مشمولة بشبكة المرافق العامة على المستحقين من مواطني المحافظــة والخشية من أن تكون تكلفة تلك المرحلة على المستهدفين غير منافسة لما هو متاح لهم في السوق من أراض سكنية، وبالتالي احتمال تكرار ذات المشهد بعدم استلام المستحقين لما يخصص لهم من أراض سكنية في ذلك المشروع أيضاً...!

نقلا عن الرياض