ستاندر آند بورز.. وإصلاح أنظمة التقاعد !

20/07/2016 8
محمد العنقري

توقع تحليل لوكالة ستاندر اند بورز للتصنيفات الائتمانية أن يشكل التشيخ السكاني المتنامي في المملكة العربية السعودية ضغطاً على التمويلات العامة والدين الحكومي خلال العقود الثلاث المقبلة في حال عدم إجراء إصلاحات حكومية لاحتواء التكاليف المتصلة بتقدم العمر. وتوقع التحليل أن يرتفع عدد السكان في المملكة العربية السعودية بوتيرة سريعة من 32 مليون نسمة إلى 46 مليون نسمة بين العامين 2015 و2050، وخلال نفس الفترة سترتفع نسبة المسنين إلى 15% من إجمالي عدد السكان مقابل 3% حالياً.

ونتيجةً لذلك سترتفع نفقات الحكومة، ذات الصلة بتقدم العمر، على المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2050 من 6% حالياً، وهو ما قد يؤدي -بحسب الوكالة- إلى ارتفاع سريع في نسبة صافي الدين في المملكة العربية السعودية إلى340% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2050 في حال لم تتخذ الحكومات المزيد من الإجراءات, كما جاء بالتحليل أن نمو شريحة الشباب من السكان، تجاوز عدد المشتركين في نظام التقاعد السخي في المملكة نسبة النمو في عدد المستفيدين، مساهماً في الصحة المالية العامة للنظام، وتوقعت أن تنظر الحكومة السعودية على الأرجح في إجراء إصلاحات ديموغرافية لنظام التقاعد لضمان ديمومته.

بداية اول اخطاء التقرير هو في شمولية عدد السكان دون النظر بتفصيلاته فالمواطنون عددهم 20,7 مليون نسمة بينما الباقي حوالي 10,8مليون نسمة هم من الوافدين المقيمين بالمملكة للعمل، فالتقرير يتحدث عن عدد السكان وكأنهم جميعاً مواطنون، نظرا لأنه تحدث عن ارتفاع بتكاليف التقاعد والصحة على المسنين ومعروف ان انظمة التقاعد لا تشمل الوافدين باستثناء نسبة 2% تقتطعها التأمينات الاجتماعية كبدل اخطار عمل، ولذلك يصبح الحديث عن ارتفاع نسبة المعاشات التقاعدية بعد ثلاثة عقود لتصبح حوالي تسعة بالمئة من الناتج المحلي من حوالي ثلاثة بالمئة حالياً غير دقيق تماماً لانه بالأصل اعتمد على عدد خاطئ للمواطنين، وبالتالي فإن وصول السكان الى 46 مليون نسمة عام 2050 م ايضا تقدير غير دقيق عند الاخذ بعين الاعتبار ان المعني بتقريرهم هم المواطنون فبحسب معدلات نمو السكان المواطنين الحالية فإن العدد مرجح ان يصل الى حوالي 35 مليون، كما أن الشريحة دون عمر ثلاثين عاما تصل الى قرابة 64% وهذا مؤشر على شبابية المجتمع لفترة طويلة جداً ، ولذلك فإن النسب التي وضعها التقرير بالمجمل تبقى موضع شك بل تعتبر اخطاء بالحسابات تضرب مصداقية التقرير والمعلومات التي استند عليها؛ فالرعاية الصحية مغطية بتأمين طبي للمواطنين وللوافدين وأسرهم من المنشآت الخاصة التي يعملون بها ومغطى من الدولة لموظفي القطاع العام لكن مع الاتجاهات لخصخصة بالقطاع الصحي واتجاه لبرنامج تأمين طبي شامل فإن التكاليف على نفقات الرعاية الصحية عامة ستتغير وتصبح أكثر ديمومة وبكفاءة أعلى.

أما ما يخص ارتفاع الدين العام لهذه الارقام الفلكية التي وردت بالتقرير فهي اكثر غرابة وكانها افترضت ان الناتج المحلي سيبقى عند مستوياته الحالية ومستوى وطريقة الانفاق الحكومي على ما هي عليه لعقود، دون أن تنظر الوكالة إلى التغيرات التي بدأت عمليا ووضعت أطرها برؤية2030م وكذلك برنامج التحول الوطني2020م والتي بمجملها ستقلص حجم الدعم الحكومي ويعاد توزيعه للمستحقين بينما سيكون القطاع الخاص هوالمحرك الرئيسي بالنمو الاقتصادي وستقل الالتزامات على الميزانية العامة؛ فالتوقعات من مراكز دراسات قبل حوالي خمسة اعوام كانت تشير الى تخطي ناتج المملكة المحلي حاجز 6تريليونات ريال خلال ثلاثة عقود، بينما وضع هدفا للرؤية أي بعد 15عاماً ان يصل الناتج المحلي الى 5,6 تريليون ريال، فهل يعقل ان يصل الدين العام حسب التقرير الى اكثر من 15تريليون ريال عام2050م !مما يعني ان التقرير ايضا لم يضع اي متغيرات مستقبلية بعين الاعتبار واستند على معلومات خاطئة من حيث عدد السكان وتركيبته، وأيضا أغفل التوجهات الاقتصادية القادمة التي اعلن عنها بالرؤية وبرنامج التحول.

وكالات التصنيف عموما انهزت مصداقيتها بعد الازمة المالية العالمية قبل ثمانية أعوام وأصبحت تقاريرها ودراساتها بحاجة لمراجعة وقراءة أكثر من أي وقت مضى وتجنبها قدر الامكان والاعتماد على دراسات محلية لانها اكثر واقعية بينما ما يحتاجه نظاما التأمينات ومؤسسة التقاعد بالمقام الأول هو مراجعة استثمارتهما التي لا تبدو انها تحقق افضل نسب العوائد وليس أكبر من دليل تدخل صندوق الاستثمارات العامة بتقديم عرض شراء لمركز الملك عبدالله المالي الذي تملكه مؤسسة التقاعد لتصحيح أهداف وجدوى المشروع الذي تكلف قرابة 30مليار ريال واتضح انه بولغ بتقدير المساحات المطورة للتأجير والبيع عن حاجة السوق إضافة إلى أن حجم أصول مؤسستي التأمينات والتقاعد بحسب تقرير صندوق النقد الدولي قبل عامين إذا كانت الارقام دقيقة فهي بحوالي 419مليار ريال للتامينات وحوالي 900 مليار ريال للتقاعد بينما العوائد محدودة قياسا بحجم الاصول وقد لا تتعدى 3 الى 4% بأحسن الحالات مما يتطلب ايضاحات اكثر منهم حول خطط الاستثمار واستراتيجياته لديهم وتصحيح مسارها لتحقيق عوائد عالية تعزز اكثر من متانتهما المالية القوية جدا أساساً.

نقلا عن الجزيرة