مغامرات الشركات العالمية للبحث عن البترول

10/07/2016 4
د. أنور أبو العلا

في الوقت الذي يشعر العالم بأجمعه ان انتاج البترول التقليدي بدأ ينخفض قسريا بسرعة أسرع من قدرة العالم على التحول الى استخدام مصادر الطاقة البديلة. لكن البعض لدينا لا زال يعتقد بأن العالم سيستغني عن بترول دول مجلس التعاون ولذا يقولون بأنه من صالح هذه الدول أن تتخلص من تبرها (ذهبها) الأسود وتضع ايراداته فيما يسمى الصناديق السيادية قبل أن يتحوّل التبر الأسود الى تراب أسود لا يساوي شروى نقير كما يقول مؤلفو كتاب The Energy World Is Flat الذي يقول بأن البرميل الأخير من البترول لن يساوي الملايين من الدولارات بل سيساوي لا شيء (ZERO).

هذه المقدمة الهدف منها توجيه اللوم لبعض كتابنا المتمكنين من اللغة الإنجليزية المتشوقين الى الاطلاع على ما يكتبه الغرب عن البترول ولكن للأسف يتأثرون بما يقرؤونه كما لاحظت من تعليقات (او مداخلات) بعضهم على بعض تغريداتي في تويتر مستشهدين بالكتاب المذكور أعلاه الى حد ان بعضهم استشهد بمقال الكاتب Tim Maverick في صحيفة Wall St Daily بتاريخ 27 يونيو 2016 الذي يزعم ان رؤية المملكة 2030 قد تكون متأثرة بهذا الكتاب ولذا تحاول المملكة ان تبيع بترولها قبل ان يستغني عنه العالم.

ليس موضوعنا الآن هو دحض ما يقال في الصحف الغربية عن دوافع دول الخليج الى زيادة انتاجها أكثر من احتياجات اقتصادها وانما فقط نريد الآن أن نؤكّد انه من المستحيل أن يستغني العالم عن بترول دول الخليج في المستقبل المنظور لذا فإن الخطر الذي يواجه دول الخليج هو ارتفاع تكاليف المتبقي من بترولها – بسبب الاستنزاف الجائر – الى تكاليف البترول غير التقليدي فيفقد ميزته الحاليّة.

أفضل طريقة للرد على ترويج بعض الكتاب الغربيين بأن العالم سيستغني قريبا عن البترول هو توضيح التناقض الواضح بين ما يقولونه بأن الطلب على البترول بلغ ذروته وآخذ في التناقص بسرعة أسرع من سرعة معدل نضوب البترول هو الاندفاع المستميت لشركات البترول الغربية لتطوير البترول الصعب عالي التكاليف واعداده منذ الآن استعدادا لما يخبئه المستقبل القريب من ندرة البترول السهل المنخفض التكاليف المتمثل في بترول دول الخليج العربي (بالذات بترول دول مجلس التعاون).

تعالوا نرى مدى التناقض بين ما يروج له الاعلام الغربي من أن الطلب على البترول بلغ ذروته وأنه آخذ في الانحسار السريع وبين ما يحدث على أرض الواقع من اندفاع كبرى الشركات الغربية للتنقيب عن البترول في الأماكن الصعبة ووضع يدها عليه منذ الآن للاحتفاظ به جاهزا للدخول الى السوق بمجرد ان يصبح السهل الرخيص الآن صعبا عالي التكاليف في المستقبل القريب.

من الأمثلة الحيّة لنشاط الشركات العالمية في مجال الاعداد لمواجهة النقص في عرض (وليس طلب) البترول في المستقبل القريب هو إنفاق الشركة الاميركية العملاقة شيفرون 40 مليار دولار (قارنها ب 100 مليار دولار المقدرة لطرح 5 % من أرامكو) لتطوير وتوسعة حقل Tengiz في كازاخستان ليبدأ الانتاج من التوسعة الجديدة في عام 2021 – 2022 (بعد 5 سنوات).

لقد جاء في تفاصيل الخبر الوارد في Bloomberg بتاريخ 30 / 6 / 2016 بأن هذا المشروع من أعلى المشروعات تكاليف وصعوبة وخطورة وبأنه قد تم اكتشاف الحقل في عام 1979 (في عهد السوفييت) لكن لاقى المهندسون الروس حينذاك صعوبات تكنيكية شديدة في تطوير الحقل حيث تفجّر أحد الآبار عام 1985 وبقي مشتعلا لمدة أكثر من 400 يوم الى ان تم اخماد النيران بواسطة الخبراء الأميركان.

نقلا عن الرياض