حين تتحول الحاجة للتقدم من عمل مضني متواصل إلى عمل شي كبير دون السيطرة على ماهية القرار ومركزيته نفتح أبواب كثيرة ليس للقيل و القال فقط ولكن نخاطر كثيرا دون تفنيد واضح للمنطق الاقتصادي أولا والتعامل مع المخاطر ثانيا.
لعل "تخصيص" ارامكو أحد هذه النزعات. نزعة وليس قرار لأن القرار يتطلب حيثيات قانونية واقتصادية وتنظيمية.
لست عليما بما يدور ولكن ما يصل من معلومات تدل على أننا لم نصل إلى ورقة عمل " بيضاء " تجمع بين رصد التوجه التنموي ( يشمل الاقتصادي والتنظيمي والبشري ) وهذه الحيثيات التي تتعلق مباشرة مع طرح ارامكو. في هذا الوسط العائم يبقى دور كبير تنفيذيين شركة ارامكو الدكتور امين الناصر محوري.
كلاسيكيا وفي ظروف من هذا النوع وخاصة في الدول النامية تكون ارامكو مرشحة أن تكون ضحية.
لابد من إعطاء امين الناصر وفريقة فرصة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تتعامل معها الشركة بعيدا عن مناوشات تقع بين الأكاديمي والنزعات المبهمة.
حين تكون الضحية المحتملة أهم شركة في بلادنا لابد من التوقف ومراجعة النفس.
لا أعرف امين الناصر ومقابلتي معه لم تتعدى أكثر من تحية عابرة مرتين أو ثلاث متباعدة (يشهد الكثير من داخل وخارج الشركة بكفاءة وتفاني الرجل )، ولكن المهم ليس الأشخاص ومن يعرف من ولكن تقدير المرحلة.
عنوان المرحلة الحاجة إلى إصلاح اقتصادي عميق يصل إلى تصرفات الناس والشركات ولكن القفز من هذا المدخل إلى تخصيص ارامكوا أقرب إلى الهروب إلى الامام منه لمواجهة الواقع.
التخصيص يضيف قيمة اقتصادية حين يكون الجهاز العام نشط و فعال حيث هو الأكبر والأهم في الاقتصاد.
التخصيص بينما الجهاز العام ضعيف يفشل التخصيص ويضعف القطاع العام ويتضمن مخاطر مجتمعية أوسع.
لعلي التمس عذرا لمن يتحدث عن تخصيص ارامكو بعد أن أنيط بها مهام خارج نطاق طبيعة أعمالها لأسباب موضوعية.
هذه الأسباب كانت في المقام الأول التباطؤ في تطوير القطاع العام.
الخطوة الأولى قبل التخصيص أن نسعى للتخصص من خلال تخليص ارامكو من مهام ليست من طبيعة أعمالها.
لابد من تكريس المفهوم الجديد تمشيا مع تغيير اسم و مهام الوزارة في أن تصبح شركة ارامكو : شركه طاقة.
مراقبة ارامكو ومسالة الادارة شيء والتخصيص في بلاد نامية شيء آخر . الخلط بينهما ليس سياسة اقتصادية.
التوجه القيادي لتحويل الاقتصاد السعودي شيء والعمل على تخصيص ارامكو من قبل جهاز بيروقراطي غير مجرب شيء آخر.
هناك فرص لتحسين أداء ارامكو ومساعدة الادارة وحمايتها ومطالبتها في أن تكون ارامكو منافسا للشركات العالمية وتبتعد عن النهج الحكومي الذي بدا واضحا وتدرجيا على مدى العقود الثلاثة الماضية .
التخصيص العميق أن تأخذ ارامكو بالحد عن هذه التوجهات وليس تضييع الوقت في تغيير هامشي في الملكية خاصة أن هناك محاذير قانونية سبق وأن تحدث عنها المحامي الدكتور زياد السديري، كما أن هناك رسائل أخرى قد تكون أكثر خطورة .
فمثلا جر ارامكو إلى مدار وتجربة صندوق الاستثمارات العامة يفقد ارامكو الاستقلالية وأحيانا المهنية ، بل إن نجاح ارامكو وسابك كان في جزء كبير منه بسبب الاستقلالية.
أثبتت التجربة أن التخصيص بحد ذاته لا يحمي من الفساد، فالكل يتذكر تجربة "انرون " والتي صوغت على أنها مثال لشركة طاقة حديثة .
هناك نقاط ضعف في ارامكو فمثلا على ارامكو التوقف عن الإسناد إلا في حالة شركة سعودية يصل التوطين فيها إلى نسبة مثل ارامكو أو أفضل في الوظائف الفنية.
لندع الصراعات بين القبائل البيروقراطية جنبا ونطالب ارامكو بمهنية أكثر وخاصة في النواحي البشرية ووضوح الاستراتيجية ولكن أيضاً على الجهات الحكومية الأخرى وضوح استراتيجية التنمية ودرجة المؤاومة بين دور ارامكو المحوري وبين زحزحة منظومة تصرفات القطاع العام والخاص.
الأحرى أن نركز على فهم وتأطير المرحلة ونأخذ بقرارات قليلة ولكنها نافذة، تخصيص ارامكو ليس واحد منها.
الحكمة أن نتراجع حين يتضح مدى الخطأ وأن نساعد امين الناصر وفريقة ونطالبهم بأن تكون ارامكو شركة تقترب تدريجيا من حسابات التكلفة والعائد وليست مؤسسة حكومية ندعي أنها شركة.
قد تكون هذه الاختلافات فنية و أحيانا شكلية و لكن لابد من التواضع و العمل ووضوح الفكر.
شكرا أبا حمد ... مقال وأفكار ممتازة من الجدير أن تؤخذ في الاعتبار قبل الخطوة القادمة والأهم تحديد الوجهة والتوجه لهذه الشركة الهامة ... وماذا ان نريدها ..
شكرا اخي مراحب . اتفق معك نحتاج اجماع حول السياسات