اليوم يعيش الاقتصاد السعودي مرحلة التحول إلى اقتصاد ذي قواعد أكثر ديمومة ومصادر نمو أكثر استدامة، وصناعة البتروكيماويات هي أكبر الصناعات السعودية بعد الصناعة النفطية مباشرة، حيث تشكل حسب الأرقام 11% من مجموع الصادرات الوطنية لعام 2014، وهذا ما يوضح أهمية هذه الصناعة ودورها في تعزيز الميزان التجاري للاقتصاد السعودي والذي يعد ارتباطه بالدولار أحد العناصر التي تميزه وتجذب الاستثمار الأجنبي له من بين الاقتصاديات النامية، ومن تحديات اقتصادنا المستقبلية الحفاظ على هذا الارتباط ببقاء الميزان التجاري موجباً.
في ظل طرح خطط التحول الحالي تظل الاستراتيجية الوطنية نحو صناعة البتروكيماويات غير واضحة، بل تفاجأ الجميع بارتفاع أسعار المدخلات لصناعة قائمة على رخص المدخلات؛ خصوصاً الغاز الطبيعي "الإيثان" الذي لا يشكل أكثر من 5% من حجم الغاز المصاحب للنفط، وبالنظر لنظرية تكلفة الفرص فإن استخدامه لصناعة البتروكيماويات يعطي إضافة أكثر لاقتصادنا مقابل تصديره المكلف والبنية التحتية التي يحتاجها الغاز للتصدير، بالإضافة لانخفاض أسعار الغاز مع ثورة الغاز الصخري التي أصبحت تغري الكثير للاستثمار في الولايات المتحدة ويعزز الاستثمار فيها دوافع أخرى أيضاً وهي مركز الأبحاث ومرونة القوانين للعمل والتمويل وضخامة السوق الأميركية، وتوفر الموردين لقطع الغيار دون الحاجة لتكديس القطع مثل المملكة بسبب البعد الجغرافي، تبقى الميزة التنافسية الكبرى هي رخص المدخلات في المملكة.
بعد ارتفاع أسعار المدخلات والذي لم تكن شركات البتروكيماويات تعلم عنه كتوقيت؛ تفاجأ الجميع، وكانت وزارة البترول (الطاقة حالياً) قد أخطرت عن رغبة رفع الأسعار منذ سنوات لم تكن أكيدة، وكان قرار رفع الأسعار يرفض ويؤجل من دون تحديد موعد، بل أضيف كان هناك تضارب من وزارة البترول حيث سبق أن صرح وكيل الوزارة بعدم نية رفع الأسعار ويوجد تسجيل صوتي له حسب ما نشرت صحيفة الرياض بتاريخ 15 نوفمبر 2013، ومع ذلك فإن الوزارة لم تنفِ فقط؛ بل الطريف بأنها قالت الحوار لم يحدث برغم وجود التسجيل الصوتي، أنا كمتابع وغيري كمستثمر يشعر بحالة غير صحية لجذب الاستثمارات في ظل غياب الشفافية لهذه الدرجة.
اليوم نعيش التحوّل زمن اقتصادي جديد مبني على الصراحة والوضوح لتعزيز الثقة الجاذبة للاستثمار، وأصبحنا نرى مسؤولين يكرهون الصمت السلبي لصالح الموضوعية، مثل ما رأينا مؤخراً معالي محافظ مؤسسة النقد الدكتور أحمد الخليفي الذي أكد بكل ثقة استمرار ارتباط الريال بالدولار، ولو لم يأتِ هذا التصريح في وقته لرأينا المليارات تخرج من اقتصادنا، كما حدث في العام الماضي، وكذلك معالي المهندس خالد الفالح الذي تجمهر الصحفيون حوله في قمة أوبك وقدم تصريحات بددت توتر القمة؛ بل كان وزير الطاقة الفنزولي والمعروف بمشاداته مع ممثلي المملكة أبدى ارتياحاً للمهندس خالد الفالح؛ الحقيقة لم تتغير السياسة؛ بل الأسلوب الذي يدعم الشفافية ويعزز الثقة.
أتمنى من المهندس خالد الفالح أن يعزز ثقافة الشفافية في وزارته لتعزيز الثقة، وأن يعين مستشاراً قادماً من صناعة البتروكيماويات وخبيراً بتحدياتها، ولا أتمنى أن يكون من أرامكو لتغير بيئة التفكير، فهذه الصناعة تمر بتطور خطير حالياً مع تطور التقنية لاستخراج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، وتطور تقنية إنتاج البوليمرات من الفحم في الصين فإن صناعة البتروكيماويات في المملكة يجب أن تتوجه إلى الابتكار وتعزيز الاستثمار في المعرفة، وهي مهمة ليست بالسهلة، ومنتجاتها لها طبيعة أسواق مختلفة من البوليمرات التقليدية، وأكثر تعقيداً مثل الصناعات الدوائية المحاطة بالأنظمة وقاعدة عملاء محدودة لسوق كبير، وكذلك صناعة منتجات الألياف والمطاط الصناعي في مجال النقل وهي صناعة عالية التذبذب.
انتقال البتروكيماويات من الاعتماد على رخص المدخلات إلى المعرفة وتطوير المنتجات ضروري، ولكن يحتاج شفافية وخطوات واضحة ومشاركة لاكتشاف حلول في الاقتصاد السعودي.. لذلك أتمنى أن نرى تحول صناعة البتروكيماويات بطريقة تدعم ديمومتها عبر تعزيز الاستثمار العلمي، وابتكار منتجات، واكتشاف أسواق جديدة بنظرة ووعي تعرف حقيقة تحدياتها واستراتيجيتها ومواردها وفرصها، وليس فقط توريطها بالصناعة التحويلية التي هي عبء بكل المعايير والتي لا يمكن أن يكون لها قيمة مضافة وعبر السنوات ستحملها مدخلات التضخم والتكلفة.
نقلا عن الرياض
لا يمكن انقاذها والايام حبلى بالتراجع لهذه الصناعة