أولت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 اهتمام واضح لحوكمة القطاع الحكومي إذ خصصت له برنامج مستقل تهدف من خلاله إلى إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية وتحديد الاختصاصات وتفعيل مسؤولية الجهات الحكومية.
وتأكيداً على أهمية الحوكمة في الرؤية، قام مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية استناداً إلى تكليف مجلس الوزراء بتطوير إطار حوكمة متكامل لضمان مأسسة العمل وتسهيل التنسيق بين الجهات ذات العلاقة.
ولكن لماذا هذا الاهتمام بالحوكمة؟ تركيبة الاقتصاد السعودي تعتمد بشكل كبير على الدور الحكومي نتيجة الدخل المتحصل من بيع النفط.
تركيز الثروة في القطاع الحكومي والذي ضاعف الدور الاقتصادي للحكومة (وإن كانت الرؤية تهدف إلى تقليل هذا الدور) يستلزم وجود نظام حوكمة فعال يشجع على الاستخدام الأمثل للموارد ويفعّل دور الرقابة والمسائلة.
تبلور مفهوم الحوكمة ونضج في أحضان القطاع الخاص (الشركات المساهمة كان لها دور كبير في تطبيق هذا المفهوم) ويظل أحد المواضيع الساخنة فيه بل زادت أهميته بعد الأزمة المالية والتي كبدت الشركات الكثير من الخسائر.
اقتصار تطبيق مفهوم الحوكمة في إطار القطاع الخاص لمدة طويلة جعل المفهوم متوائم مع متطلبات هذا القطاع. فمعايير حوكمة الشركات تراعي في مبادئها مصلحة الأطراف ذات العلاقة مثل المساهمين ومجلس الإدارة. هذا الاحتكار للمفهوم يصعب من عملية استنساخ تجربة الحوكمة في القطاع الخاص وتطبيقها في القطاع العام أو ما يعرف بالقطاع الحكومي.
الاختلافات بين القطاعين العام والخاص تبرر صعوبة الاستنساخ ولا يمكن التعويل على عامل واحد يشرح الاختلافات بين القطاعين ولكن هناك عدة عوامل تفاعلت فيما بينها وخلقت هذا الاختلاف. أول هذه العوامل هو الهدف، حيث تهدف الجهات الحكومية إلى خدمة العامة دون استهداف الربح كما هو في القطاع الخاص الذي يستهدف بالدرجة الأولى تعظيم أرباح الشركات.
العامل الثاني يتمثل في تركيبة المنشآت في القطاعين. تركيبة المنشآت الحكومية ذات تسلسل هرمي متشعب وكبير مما يخلق تداخل بين السلطات ويصعب من عملية المسائلة، بينما تركيبة المنشآت الخاصة تتمتع بمحدودية التسلسل الهرمي مما يزيد من الفعالية ويسهل من وظيفة الرقابة.
العامل الثالث يتمثل في بيئة العمل. العلاقة بين أداء الشركة وسهمها وثيقة حيث أن تدني مستوى أدائها بالضرورة يؤثر سلباً على سعر السهم ذلك أن السوق يقوم بتقييم كل شركة بناءً على أدائها مما قد يؤدي إلى تبديل مجلس إدارتها بمجلس إدارة جديد، أما القطاع العام يتم تقييم المنشآت الحكومية وفقاً للمعايير حكومية والتي لا تعوّل كثيرا على عامل الأداء.
رغم هذه العوامل وغيرها إلا أن القطاع الحكومي يستطيع تبني الكثير من مبادئ حوكمة الشركات. تعمل الجهات الحكومية في سياق يختلف عن سياق شركات القطاع الخاص ولكنها تواجه مشاكل تتشابه في طبيعتها مع مشكل القطاع الخاص.
في نهاية المطاف، الجهات الحكومية تحرص على رفع مستوى الأداء وتزويد الخدمة بجودة عالية وتأسيس نظام رقابة فعال.
يحرص كل نظام حوكمة شركات على ترسيخ مبادئ عامة مثل الشفافية والرقابة والمسائلة. يمكن تطبيق هذه المبادئ في القطاع العام بما يتناسب مع طبيعة هذا القطاع.
وفي بعض الأحيان قد يستلزم تطبيق هذه المبادئ إلى تغيير تركيبة بعض المنشآت الحكومية ليتوائم مع متطلبات الحوكمة. وهذا ما أشارت إليه الرؤية في برنامج إعادة هيكلة الحكومة.