في نهاية اجتماعهم بمدينة "أيسي شيما" الساحلية الصغيرة وسط اليابان يوم الجمعة الماضي، فشل زعماء مجموعة الدول الصناعية السبعة الكبرى، في رأب صدع الاقتصاد العالمي، وأخفقوا في التوصل إلى الحلول الجذرية للحد من تباطؤ النمو، وتراجع تدفق الاستثمارات.
وعزا الزعماء سبب فشلهم إلى الصراعات والإرهاب وتدفق اللاجئين التي أدت جميعها إلى تعميق الهوة الاقتصادية العالمية، ولكنهم تعهدوا باتخاذ الخطوات الضرورية للتصديق على اتفاقية باريس للمناخ في أقرب وقت ممكن، وأكدوا سعيهم من أجل بدء سريانها، كما أدانوا روسيا لضمها شبه جزيرة القرم، وهددوا بمزيد من الإجراءات ضدها.
هذه المجموعة الصناعية الكبرى، المكونة من أميركا وكندا واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، كشفت خطورة الوضع الاقتصادي العالمي وغياب الرؤية الدولية عن الواقع.
فالبنك الدولي الذي أشاد قبل أيام باستمرار تربع أميركا على عرش الاقتصاد العالمي، بناتج محلي إجمالي بلغ نحو 17.968 تريليون دولار أميركي، وبمعدل نمو بلغ 2.6%، يؤكد أيضا أن أميركا جاءت في المرتبة الأولى من حيث الديون السيادية، وبنسبة 29% من مجموع هذه الديون عالميا.
وكذلك اليابان التي حققت المرتبة الثالثة في الاقتصاد العالمي بحوالي 4.116 تريليونات دولار وبمعدل نمو 2.9%، تقع في المرتبة الثانية عالميا من حيث الديون السادية التي فاقت 14%. وبينما حلت روسيا في المرتبة الـ13 في الاقتصاد العالمي بنحو 1.236 تريليون دولار، إلا أن اقتصادها، طبقا لتقرير الصندوق، يتراجع بسبب معدل نموه السالب الذي وصل إلى -3.8%.
تقرير صندوق النقد الدولي يوضح جليا أن الاقتصاد العالمي يواجه تراجعا حادا، وسط توقعات بأن يحقق نموا دون نسبة 3.4% خلال العام الجاري، وقد لا يرتفع إلى أكثر من 3.6% عام 2017.
ويعزو الصندوق سبب هذا التراجع في العالم إلى انخفاض أسعار المواد الخام، وتغيير سياسة الصين المتعلقة بالعملة، وتخلي أميركا عن سياسة التيسير الكمي والقروض المنخفضة.
ونظرا لأن العالم يعيش اليوم عصر المتناقضات في المفاهيم، تنهال اللائمة بشكل دائم ومثير على أسعار النفط، وتحميلها كل مصيبة تقع فيها الدول المنتجة والمصدرة للنفط. ولا غرابة في ذلك، فالدول الصناعية الكبرى التي تشكل شعوبها 20% من سكان الأرض، تستهلك 85% من الإنتاج العالمي للبتروكيماويات والألمنيوم، و80% من الطاقة والحديد والصلب والورق، و75% من أخشاب الغابات، و56% من الأسمدة والأسمنت، بينما الدول النامية والفقيرة التي تشكل 80% من عدد سكان القرية الكونية وتمتلك 75% من ثروات العالم الطبيعية، تعاني 25% من شعوبها من الفقر المدقع، و40% من شح المياه الصالحة للشرب، و32% من الأمية، ويلاقي 10 ملايين طفل منهم حتفهم سنويا، بسبب انتشار الأمراض وندرة الدواء.
وكذلك الحال في مشكلة المناخ، الذي تعارض الدول الصناعية الكبرى التوقيع على اتفاقياته لأنها تسهم بحوالي 80% من التلوث البيئي، وتنتج 96% من المواد المشعة، وتبث 90% من الغازات الضارة بطبقة الأوزون، و75% من غازات الاحتباس الحراري، فأصبح السبب الرئيس في التدهور المستمر للبيئة هو نمط الاستهلاك والإنتاج غير المستدام للطاقة والمواد الأولية في الدول الصناعية الكبرى.
في الأسبوع الماضي، حذر البنك الدولي من أن الاقتصاد العالمي بدأ الدخول في مرحلة الخطر، مؤكدا ما أعلنته منظمة التجارة العالمية حول تراجع المفاوضات التجارية الشاملة، التي بدأت قبل 15 سنة وفشلت لتاريخه في تحقيق التقدم المنشود، ورأب فجوة تباعد المواقف بين الدول الصناعية والدول النامية.
فشل هذه المفاوضات تزامن مع تفاقم مشاكل الاقتصاد العالمي المؤرقة لشعوب الأرض قاطبة، والتي تنحصر في تسلط الدول الصناعية الكبرى على التجارة العالمية، ومطالبة الدول النامية والفقيرة بزيادة فتح أسواقها، وتخفيض رسوم جمركها، وإزالة كافة أنواع الحماية عن منتجاتها.
وبدلا من تنفيذ الاتفاقات الأساسية وإلغاء كافة أشكال الدعم الزراعي المشوه للتجارة، والتي فاقت قيمتها في الدول الصناعية 300 مليار دولار سنويا، وتقليص سيطرتها على 89% من تجارة العالم، وتحكمها في 90% من حركة رؤوس الأموال، وتسلطها على 92% من خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات، تطالب الدول الصناعية الكبرى، بقيادة أميركا وكندا وأوروبا واليابان، إضافة أعباء جديدة واتفاقيات ملزمة على الدول الفقيرة لإرهاق كاهلها، من خلال تقنين المعايير البيئية، وتطبيق قواعد العمل والعمال، وتشجيع استخدام التجارة الإلكترونية والمؤشرات الجغرافية.
كبح جماح تيارات العولمة في عصرنا يحتاج إلى تكتل الدول النامية الأكثر اتزانا لجسر الهوة المتفاقمة بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية والفقيرة، فالالتزامات الكثيرة الملقاة على عاتق الدول النامية، أصبح مثقلا بالأحكام والقواعد التي تشكل عبئاً على نمو اقتصادها.
وقضايا العالم المتأزمة وتحديات الشعوب الملحة لا تعالج في منتجعات اليابان وسويسرا، وإنما تطرح على طاولة المفاوضات بين تكتل الدول النامية والفقيرة والدول الصناعية الكبرى لانتزاع الحقوق وتثبيت القواعد لكثير من القضايا، خاصةً أن الدول النامية هي الأكثر تضررا من تنفيذ أحكام العولمة لغياب التآلف والتنسيق بينها، وللتأكد من عدم الخلط فيما بين هذه القضايا عند تقدير أو تقييم مجمل الرصيد المتبقي لصالحها.
للنهوض بالاقتصاد العالمي، علينا في مجموعة الدول النامية مواجهة الخلل في العولمة، لدرء الخطر المحدق بنا، والدفاع عن مصالحنا ومكتسباتنا في جولات من المفاوضات الحاسمة والهادفة إلى تنمية مواردنا الوطنية، وإلا فإن فشل الدول الصناعية الكبرى في اجتماعاتها سيعود علينا بالكوارث والمشاكل.
نقلا عن الوطن
مقتبس: "في الأسبوع الماضي، حذر البنك الدولي من أن الاقتصاد العالمي بدأ الدخول في مرحلة الخطر، مؤكدا ما أعلنته منظمة التجارة العالمية حول تراجع المفاوضات التجارية الشاملة، التي بدأت قبل 15 سنة وفشلت لتاريخه في تحقيق التقدم المنشود، ورأب فجوة تباعد المواقف بين الدول الصناعية والدول النامية"....... هناك تنبؤات من بعض المراقبين بأحتمال حدوث ازمة مالية عالمية خلال الفترة 2016 -2017 قد تكون الاخطر و على الدول النامية و بألاخص في منطقتنا اخذ الحيطة و الحذر و ترشيد المصاريف و الابتعاد عن التنظير الذي قد تكون تكلفته باهضة و الله اعلم