أن تكون عاملاً مهاجراً تفتقد المهارات والمؤهلات وتعمل سائق باص ثم يكون ابنك خريج جامعة ومع الزمن يصبح وزيراً أو حاكماً فهذا دليل صحي على سلامة ومستوى جودة النمو الاقتصادي.. النمو الاقتصادي ليس قيمة كمية فقط بارتفاع الناتج المحلي، بل قيمة نوعية بأن يصحب ارتفاع الدخل ارتفاع المستوى التعليمي والصحي للفرد والسمو الأخلاقي في المجتمع والعدالة في القانون، ساركوزي هو ابن لمهاجر روماني، وفاليس رئيس الحكومة الفرنسية، وهو اسم مطروح بقوة لحكم فرنسا مستقبلاً، هو أيضاً ابن لعائلة مهاجرة من اسبانيا (فرانكو).
في وسط التباطؤ السكاني الذي تعيشه أوروبا والذي تعوضه عبر استقبال المهاجرين وإشراكهم في الحياة الاجتماعية، لكن اختلف الإطار الأوروبي للتعامل مع المهاجرين؛ فمثلاً فرنسا جعلت الثقافة الفرنسية هي الأساس تحت مفهوم المواطنة، والنتيجة تصادمت مع معتقدات المهاجرين وتعرضت لأشياء حساسة مثل الحجاب، وفي المقابل كان الوعي البريطاني أوسع لمفهوم المواطنة ليكون مرتبطاً بالإنتاجية.. هذا الاختلاف في التفكير البريطاني نلاحظه في الدول الأوروبية الأخرى بحيث أن أغلب المهاجرين الناجحين في أوروبا هم من أوروبا لأنهم لم يواجهوا اختلافاً ثقافياً كبيراً سوى أنهم هربوا من القبضة الشيوعية خلف الستار الحديدي، أما بريطانيا فكان نجاح المهاجرين غير محدود بفئة معينة سواء أوروبيين أو عرباً أو هنوداً أو أفارقة ومسلمين وهندوس وغيرهم، والسبب أن بريطانيا لا يهمها أن تكون بريطانياً؛ ولكن يهمها أن تكون منتجاً لكي تستطيع أن تعمل، وكلما تحسن تعليمك تحسن دخلك وازداد اهتمام المهاجرين بالتعليم، ومعه تتحسن قدرتك على الاستهلاك والاستثمار والمشاركة الاقتصادية ودفع الضرائب، ودائماً أذكر بهذا الدليل بأن وزير الثقافة البريطاني اسمه محمد، ممكن أن تكون الدولة ضاربة في الديمقراطية؛ ولكن تفشل في حل تحدياتها عندما لا يكون الاقتصاد هو حجر الزاوية في التشريع وسن القوانين.
مع الطفرة الاقتصادية التي مست أوروبا خلال الخمسينيات والستينيات هجر أغلب الأوروبيين المهن البسيطة ذات الدخل المنخفض مما دفع بعض الدول لجلبهم من الخارج مثل بريطانيا التي أخذت تبحث في قرى أفريقيا عن مهاجرين للعمل في محطات النقل العام، وفرنسا جلبت العمال المغاربة لبناء ضواحي باريس.. اليوم انظر الفرق؛ في باريس المهاجرون لا يزال أغلبهم وهم الجيل الثالث محدودين في الضواحي، وسبق أن انفجرت أزمة أدت إلى شغب (أزمة الضواحي) عام 2006، واليوم أبناء العمال البريطانيين انتقلوا إلى أفخم حارات لندن؛ بل وحكموها.
نقلا عن الرياض