كانت وزارة التجارة عند تأسيسها تحلق بجناحين، ثم جرى فصل الصناعة لاحقا، التي دمجت مع الكهرباء في ما بعد، وبقيت التجارة مستقلة مع وكالة التموين، وبعد ذلك تم ضم الوزارتين من جديد بالشكل الذي كانت عليه عند تأسيسها، إلى أن عادت الأمور باتجاه الفصل من جديد، إذ عادت التجارة لوحدها مع الاستثمار، على رغم أن الاستثمار هيئة مستقلة، وغادرت الصناعة على عجل لشارع المعذر.
وكانت وزارة الزراعة والمياه وزارة واحدة إلى أن تم فصلها إلى وزارتين، إحداهما بقيت لوحدها، والثانية دمجت مع الكهرباء، إلى أن أعيدت المياه إلى توأمها القديم الزراعة بعد فراق تلته قطيعة وعقوق قارب العقدين.
وزارة الإسكان كانت هي الأخرى وزارة بالشراكة مع الأشغال العامة، ثم ألغيت الوزارة بشقيها الإسكان والأشغال العامة، ولم يعد ثمة تمثيل لأي من هذين القطاعين المهمين، سواء على مستوى وزارة أو هيئة، وتم توزيع التركة من مبان وموظفين وإدارات على بعض الوزارات الأخرى، إلى أن أعيد إنتاج الإسكان مرة أخرى في صورة هيئة بعد غياب تجاوز العقدين، ليتم بعد بضع سنوات تصعيد الهيئة إلى وزارة من جديد، وليعهد لها فجأة ببناء 500 ألف وحدة خلال خمس سنوات (انقضت)، وبإجمالي إنفاق 250 مليار ريال، وليتم استحداث وظائف وفروع وأنظمة وهياكل وتشريعات جديدة وذلك على عجل ومن أول وجديد.
مثل هذه التغييرات والتحولات في الهياكل الوزارية طالت معظم الوزارات والهيئات تقريبا مع اختلاف في النسبة وحجم التغيير كالشؤون الاجتماعية والعمل والحج والأوقاف والشؤون الإسلامية وغيرها.
وبذلك سادت حقبتان رئيسيتان، هبت في الأولى رياح الفصل بين الوزارات بهدف التخصص واعتباره باعثا على الأداء الجيد، وفي اعتقادي أن هذا المنظور الهيكلي لم ينجح عندنا، والدليل أن الزراعة كانت في أسوأ حالاتها منذ تأسيسها طوال هذه الفترة، والمياه كانت في أعلى معدلات الاستنزاف الزراعي والسكني وأكثر من أي وقت مضى، ثم جاءت الحقبة الثانية بإعادة الدمج من جديد بهدف تحقيق الانسجام والتكامل في السياسات والتطبيقات بين مفردات القطاع الواحد، وعدم التضارب أحيانا والتناحر أحيانا أخرى في عملية تطبيق الخطط.
وهي حقبة نتمنى لها النجاح، لكن الأكيد أن أياً من هذه الإصلاحات والتجارب الهيكلية الأفقية التي سادت طوال ثلاثة عقود لم تصاحبها إجراءات تنظيمية رأسية موازية تتقاطع معها في الجانب المؤسسي، وبذلك بقيت الدورة الدموية التي تجري ضمن هذه الهياكل تجري كما هي دونما تغيير، كأنظمة الخدمة المدنية وتشريعات العمل وكفاءة الأداء والرقابات الإدارية ومسوغات التعيين والترقية، وكلها كانت - في نظري - أقل كفاءة وأكثر بيوقراطية حتى من فترة السبعينات الميلادية وما سبقها.
بذلك نكون قد جربنا كل إصدارات «الهارد وير» تقريبا، فهل نجرب إصدارا واحدا من «السوفت وير»؟.
نقلا عن عكاظ