من حين صدور قرار مجلس الوزراء السعودي بإنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والجهات التنفيذية تعمل على قدم وساق للبحث عن الكوادر التي تجمع بين ركني القيادة :" إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وقد وفقت الجهة المسؤولة عن هذه الهيئة بكادر وظيفي شاب طموح، يهمه الرقي بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة ويؤمن بأهميه هذا القطاع ولديه شغف بخدمة المستثمرين فيه.
إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تمتلك العديد من الخصائص والمميزات التي تبين لك أخي القارئ الكريم صوابية إنشاء هيئة داعمة للقطاع وحل إشكالياته، ومن أهم الخصائص:
1- إيجاد فرص عمل متنوعة وجديدة, حيث تشير أكثر الدراسات في الدول أن الدور الأكبر في إيجاد فرص عمل أكبر هو كامن في المشروعات المصنفة على كونها صغيرة أو متوسطة, ففي الولايات المتحدة الأمريكية توفر الشركات المتوسطة 80% من فرص العمل الجديدة, وفي بريطانيا تمثل المشروعات الصغير 36% من إجمالي فرص العمل, وأما في اليابان فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة تقوم بتوظيف 74% من جملة العمالة الصناعية, وهذا ولا شك يدل على أهمية هذا النوع من المشاريع لإيجاد فرص العمل الجديدة.
2- سهولة إنشاء هذه الشركات وتأسيسها مما يساهم في دفع عجلة الاقتصاد.
3- بساطة إدارة هذا النوع من الشركات بحيث إنها لا تكلف الكثير وإنما يديرها المالك وعدد محدود من الموظفين.
4- أنه أسرع استجابة لمتطلبات واحتياجات السوق؛ وذلك للمرونة العالية التي تمتاز بها مما أنتج كونها أسرع تكيفا مع المتغيرات, لكونها منشئات بسيطة إلا أنها فاعلة.
5- انخفاض تكاليفها التشغيلية: فهي تمتاز بكونها لا تكلف الكثير في إدارتها ولا في مستوى إنتاجها, ويعتبر هذا أكثر ملائمة للدول النامية.
6- العلاقة الوطيدة مع المجتمع المحلي, فغالبا ما تكون هذه المشروعات لصيقة بواقع الناس وما يمارسونه في حياتهم اليومية, وهذا بدوره يؤدي إلى إكساب حاجات المجتمع, وتغطية حاجاته.
إلى غير ذلك من المزايا التي لا تخفى, مما يؤكد على أهمية هذا النوع من المشاريع...
وفي المقابل يوجد معوقات حقيقية تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأهمها الآتي:
أ- المعوقات الإدارية: وذلك لكون أغلب هذه المشاريع يديرها أناس ذوو كفاءة ضعيفة, وأيدي غير مؤهلة ولا مدربة, مما يؤدي إلى تدني مستوى الكفاءة, وهذا هو الذي جعل كثيرا من المشروعات تنتهي بالفشل أو التعثر.
ب- المعوقات التنظيمية: تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة عددا من العراقيل التنظيمية الحكومية, ومن ذلك التعقيدات الجمركية, وجباية الزكاة أو دفع الضريبية والإجراءات المعقدة في منح التراخيص والإعفاءات الجمركية والضريبية, إضافة إلى عدم وجود معاملة تفضيلية في القوانين الخاصة بالضرائب والرسوم الحكومية ومن أهمها الرسوم الجمركية.
ج- المعوقات التسويقية: فهي تعاني من ضعف التسويق لها, وذلك بسبب كثرة المنتجات المشابهة في السوق المحلية, وذلك لأن الغالب على هذه المشروعات كونها قائمة على أسلوب المحاكاة في الإنتاج, مما يؤدي إلى وجود فائض في المعروض من إنتاج مما يعود بالضرر على هذه المشروعات.
د- معوقات الجودة: وذلك لضعف الإدارات, وقلة مستوى المعدات المستخدمة في الإنتاج.
و- معوقات التطور لهذه المشروعات: وهذا عائد إلى كون الطاقم الإداري ضعيف نسبيا في هذا الجانب مما يتسبب بالتعرقل في تطوير الإنتاج وتنويعه, وتراكم المخزون السلعي دون النظر إلى الظروف الاقتصادية المستقبلية, وعدم إتباع سياسات مقننة لتطوير كفاءات الأيدي العاملة مما يعود على المنشأة بالضعف من الناحية التطويرية.
إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تفتقر إلى الاحتياج للتمويل في فترات حياتها كلها بدءا بتأسيس المشروع وانطلاقه, وأثناء قيامه وعمله, لاسيما أن تسهيل التمويل لهذه المشروعات يؤدي على التوسع في التوظيف والقدرة على توليد الدخل ومن ثم زيادة الاستهلاك, وهو بدوره يؤدي على زيادة الاستثمار التي تؤدي إلى زيادة الدخل.
وبالنظر إلى البنوك في السعودية وأثرها في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة نجد أنه ضعيف جدا لأن هذه البنوك تعتمد على النظام الرأسمالي في التمويلات, مما يؤدي على ضعف تحملها للمخاطر, حيث إنه لا استعداد لدى هذه البنوك بأن تربح مقابل أن تضمن بحيث أن يترتب عليها جزء من المسؤولية كي تستحق الربح فمبدأ المشاركة معدوم عندها, وإنما تأخذ العائد بإحدى طريقتين:
1- الفائدة الربوية بدون مقابل وهو محض الربا المحرم,
2- الربح في تمويلات المرابحة، وهذا يحمل أصحاب المشاريع مسؤولية نجاح أو فشل المشروع.
ولذا فالبنوك تميل في الغالب إلى تمويل المشروعات الكبيرة لتوفر الضمانات الكافية التي تضمحل بسبب وجود المخاطر, وهذه الضمانات في الغالب لا توجد عند أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة, لذا لا تلتفت البنوك إلى تمويلها إلا بوجود ضمانات قوية، ولذا وضعت الحكومة السعودية برنامج كفالة كمخفف لهذه الإشكالية، وقد كتبت مقالا في هذه الصحيفة عن تفاصيل هذا البرنامج.
إن التمويل الذي يناسب المشاريع المبتدأة هو الذي يقوم على مبدأ "الخراج بالضمان" فيدخل في مخاطرة الربح والخسارة, وهذا ما يجعل الممول يشارك بخبرته في دراسة ومتابع المشروع وبالتالي يشارك في الربح، وهو المنتشر في كثير من الدول في تمويل رأس المال الجريء أو المغامر (Venture Capital)، ولذا نجد أن الشريعة الإسلامية تنهى عن أن يربح الإنسان في ما لم يضمنه استناداً إلى الحديث الشريف الذي صح أنه - صلى الله عليه وسلم – نهى عن ربح ما لم يضمن، ومن القواعد الفقهية: (الخراج بالضمان) وهذه من أعظم قواعد الشريعة في باب المعاملات, وهي أن الإنسان لا يجوز له أن يأخذ الربح بدون مقابل, وإنما يتحمل التبعة كي يستحق الربح, لاسيما وأن من أهم أولويات النظام الاقتصادي الإسلامي إعطاء الأولوية للفقير والمحتاج, وتحويل الأفراد القادرين على العمل إلى طاقات منتجة تساهم في دفع عجلة الاقتصاد.
وهذه الأدلة تدل على جواز التمويل بالمرابحة، ولكنه غير مناسب للمنشآت المبتدأة والتمويل بالمشاركة أفضل بنظري للجهات الممولة ولطالبي التمويل وبالتالي للاقتصاد الكلي للمملكة.
إنني أتمنى أن يهتم الإخوة في الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لأكبر تحديات هذا القطاع، وهو وجود تمويلات عادلة بضمانات مقدور عليها، وأن يقدموا لملاك هذا القطاع ما يحتاجونه من مشورة في طرق التمويل والتعامل مع البنوك، وفهم عقودها وتفاصيل شروطها، وحينها يمكن القول بأن هذا القطاع قد تجاوز أكبر عقبة للاستمرار في السوق بمنافسة قوية صامدة في وجه العقبات الأخرى.