في بداية السنة الهجرية صدر قرار مجلس الوزراء السعودي بإنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهي هيئة ذات شخصية اعتبارية، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويرأس مجلس إدارتها وزير التجارة والاستثمار، وتهدف إلى تنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة وتنميته، وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، وذلك لرفع إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي، بما يؤدي إلى توليد الوظائف وإيجاد فرص عمل للقوى العاملة الوطنية وتوطين التقنية.
وقد جلست مع بعض القائمين على الهيئة ووجدت فيهم الحماس والحرص على هذا النشاط، والجميع متفائل بمستقبل مشرق للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في ظل هذه الهيئة.
وتختصر هذه المشاريع بالحروف الإنجليزية (SMEs) وهي اختصار لمصطلح (Small and medium-sized enterprises) ، ومعرفة هذا الاصطلاح للباحث ليستفيد من المقالات باللغات الأخرى.
ولا يشك مطلع على اقتصاديات الدول أن المشروعات المتوسطة والصغيرة تؤدي مهمة كبيرة في المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم, فهي المحرك والدافع لعجلة الاقتصاد, لذا فإن كثيراً من الدول تولي المشروعات اهتماماً خاصاً وعناية فائقة لقدرتها على التطوير للاقتصاد.
وبرأيي فإن أكبر تحدٍّ للهيئة في بداية تكوينها هو تحديد ماهية المشاريع الصغيرة والمتوسطة لأن الصغر أمر نسبي يختلف من بلد لآخر، وقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة عن معهد ولاية جورجيا بأن هناك أكثر من (55) تعريفاً للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في (75) دولة.
ويتم تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة اعتماداً على مجموعة من المعايير منها عدد العمال، حجم رأس المال، أو خليط من المعيارين معاً، وهناك تعريفات أخرى تقوم على استخدام حجم المبيعات أو معايير أخرى.
وقد وجدت عدة تعريفات متنوعة لهذه المشاريع منها على سبيل المثال:
أ- عرفتها منظمة العمل الدولية بأنها تلك المنشئات الإنتاجية والحرفية التي لا تتميز بالتخصص بالإدارة ويديرها مالكها, ويصل عدد العاملين فيها إلى 250 عاملا.
ب- وعرفتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ( unid) بأنها كافة الوحدات الإنتاجية صغيرة الحجم التي تضم الصناعات الريفية واليدوية والحرفية إضافة إلى المصانع الصغيرة الحديثة سواء التي تتخذ شكل المصانع أو تلك التي لا تتخذ هذا الشكل.
ج- وأما البنك الدولي فعرفها بأنها التي تستخدم أقل من 50 عاملا في الدول النامية, و500 عامل في الدول المتقدمة.
د- بينما اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا عرفتها بأنها تشمل كل مشروع يشغل ما بين 50- 250 عاملا.
ويلاحظ أن أغلب التعريفات تعتمد على معيار العمالة أساسا لها في التصنيف, والسبب في ذلك يرجع على سهولة هذا المعيار من جهة وتركيزه على العمالة من جهة ثانية إلا أن هناك بعض الاختلافات في تحديد الحد لتصنيف المشروعات حسب حجمها, علما بأن اغلب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية تقوم على هذا المعيار.
ولذا فإن المعايير المحددة للمشاريع الصغيرة تختلف من بلد لآخر وأهم هذه المعايير:
1-معيار عدد العمالة: فقد نهجت العديد من الدول على الأخذ بالمعيار العددي للعمالة مبدئياً، ففي الاتحاد الأوربي مثلا المشاريع التي يعمل فيها ما دون 50 عاملا تعتبر من المشاريع الصغيرة, وأما المتوسطة فهي التي يعمل بها ما دون 250 عاملا, وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وايطاليا وفرنسا تعتبر المنشأة صغيرة ومتوسطة إذا كانت توظف حتى 500 عامل، وفي السويد لغاية 200 عامل، وفي كندا واستراليا حتى 99 عاملاً، في حين أنها في الدنمارك هي المنشات التي توظف لغاية 50 عاملاً.
وفي تايوان تعد المشروعات الصغيرة التي يعمل فيها ما دون 20 عاملا أما المتوسطة فهي التي يعمل فيها ما دون 200 عامل.
إن استخدام عدد العمال كمعيار لتعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة يمتاز بعدد من المزايا منها:
أ ) يسهل عملية المقارنة بين القطاعات والدول.
ب ) مقياس ومعيار ثابت وموحد Stable Yardstick، خصوصاً أنه لا يرتبط بتغيرات الأسعار واختلافها مباشرة وتغيرات أسعار الصرف.
ج ) من السهولة جمع المعلومات حول هذا المعيار.
2- معيار حصة السوق: وبيان ذلك أن البعض يجعل القدرة التنافسية في السوق بناء على حجم المبيعات وتضخم الحصة السوقية هو المعيار الذي تصنف من خلاله المشاريع فما كان من المشروعات يملك 10% من حصة السوق فما دون يصنف على أنه من المشاريع الصغيرة, وما كان من المشاريع يملك 33% فما دون فهو من المشاريع المتوسطة, ويستعمل هذا المعيار في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تصنف المشاريع على ذلك, وأما في الدول الأخرى فهو أقل شيوعاً لأنهم يعتبرونه أنسب للمشروعات التجارية منها للمشروعات الصناعية.
2- معيار حجم المبيعات: فما كان من المشروعات يبيع من إنتاجه مليون دولار وأقل يعتبر من المشاريع الصغيرة, وهذا معيار معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية, وأما في الوطن العربي فهو قليل الاستعمال لأنهم يعتبرون بمعايير أخرى، ويلحظ أن البنوك السعودية تفضل هذا المعيار على غيره، وبرأيي أنه غير دقيق لما يأتي:
1) أن المشاريع المبتدأة التي لم تبدأ في الإنتاج تعتبر غير مصنفة على هذا المعيار، وق تصل رؤوس أموالها إلى مئات الملايين.
2) أن حجم المبيعات لا يعكس بالضرورة حجم الأرباح ولا عدد العمالة.
4-معيار جودة الإنتاج: فمستوى جودة الإنتاج عند البعض من المعايير للتميز بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة, فما كان من المشاريع إنتاجها عالي الجودة يصنف على أنه من المشاريع الكبيرة, وأما ما كان منها منخفض الجودة فيصنف على أنه من المشاريع الصغيرة, وما كان منها متوسط الجودة فيعتبر من المشاريع المتوسطة، وهذا المعيار لا يؤخذ به لوحده، ولكنه من المحددات التي يتم الاستئناس بها.
5-معيار قدر رأس المال: يعتبر معيار رأس المال أحد المعايير الأساسية في تحديد حجم المشروع لأنه يمثل العامود الفقري للمشروع, ويبين قدر الطاقة الإنتاجية للمشروع, ويختلف هذا المعيار من دولة لأخرى, ومن قطاع لآخر, فعلى سبيل المثال, في دول شرق آسيا والهند تحدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأن يكون رأس مالها أقل من 250 ألف دولار.
وتختلف هذه الدول في حجم رأس المال المعد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى أساس درجة تقدم الدولة اقتصاديا فكلما كان اقتصاد الدولة أوى وأضخم كان العناية بهذا أكبر. واستخدام معيار حجم رأس المال لتعريف المشروع الصغير والمتوسط يؤدي إلى صعوبة المقارنة بين هذه الدول لاختلاف أسعار صرف العملات.
6-معيار الإنتاج: فبعض الدول تجعل مقياس الإنتاج الذي ينتج عن المشروع هو المعيار الذي يحدد كون المشروع من المشاريع المتوسطة أو الصغيرة.
وهناك معايير أخرى كالنظر إلى إدارة المنشأة ومستوى تنظيم المشروع ومعيار مستوى الإنتاج إن كان يقوم على الأساليب البسيطة ذات كثافة رأسمالية منخفضة, وكثافة عمالية عالية, أو يقوم على مستوى عالي من التقدم التكنولوجي.
والذي أراه مساعدا للهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أن ينظر إلى عدة عوامل ومعايير في وقت واحد، وأن تحرص الهيئة على صغار المستثمرين، لما في ذلك من توفير لفرص العمل وتحريك لعجلة الاقتصاد وتنوع لمصادر الدخل.