تنبؤات «موديز».. هل يُفندّها المتحدث الرسمي؟

19/05/2016 3
د. إحسان بوحليقة

قدرت ميزانية العام المالي الحالي العجز نهاية العام بـ 326.2 مليار ريال. السؤال: بعد انقضاء الربع الأول من العام كيف أوضاع المالية العامة؟ وما وضع الاقتصاد ككل من حيث النمو؟ وما وضع الأسواق، كسوق العمل من حيث معدل البطالة؟

حالياً، هناك مسار الرؤية 2030 وخطة التحول والأنشطة المتصلة بهذا الجهد الكبير، ومسار مواز «تشغيلي» يتصل بأدائنا خلال هذا العام (2016). وقد انقضى الربع الأول من العام، فهل توجد مؤشرات عامة يمكن أن تتاح للمهتمين والمتابعين؟ هذا أمر غدا ضروريا في وسط ما يطرح من قبل مراكز الاستشارات المحلية والعالمية ووكالات التصنيف.

فالعديد منها، ويأتي في المقدمة صندوق النقد الدولي، يضع تنبؤات عن أداء الاقتصاد السعودي لهذا العام وللأعوام القادمة. ولا اعتراض لدي على ذلك، فما هو الموقف الرسمي من تلك التنبؤات؟ ولعل أبلغ موقف هو أن تصدر مؤشرات الأداء ربع سنوي، وكذلك تنبؤات متوسطة المدى، على الأقل لتغطي سنوات الخطة الخمسية العاشرة، أي حتى العام 2020، بحيث تُنشر المؤشرات المتوقعة للأعوام القادمة، وتعَدّل وتُحَدث مع مرور الوقت. فعدم وجود مثل هذه المؤشرات المنشورة رسمياً، سواء من البنك المركزي أو وزارة التخطيط، يترك فراغاً هائلاً تشغله «تنبؤات» مستوردة.

ولعل أقرب مثال، ما صدر عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني قبل ثلاثة أيام، تزامناً مع خفض التصنيف، والسؤال: ألا يوجد ما يمكن للمتحدث الرسمي ذكره حول أداء الاقتصاد السعودي لبقية هذا العام وللأعوام القادمة سنوياً، وصولاً للعام 2020؟ إن كانت وكالة موديز التي تغطي اقتصادات العالم تستطيع أن تتنبأ حول اقتصادنا، وهذا جزء من عملها الذي تمارسه لعقود عديدة، فلمَ لا ننشر بيانات وتنبؤات عن اقتصادنا نحن؟ سيقول قائل: إن «موديز» تمتلك نموذجاً تنبؤياً، ونقول بالمقابل: ونحن لدينا نموذجاً تنبؤياً.

الفرق أن «موديز» وبقية وكالات التصنيف الرئيسية مثل «ستاندرد أند بورز» و«فيتش» وكذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية وبعض الجهات الاستشارية العالمية لديها نماذج اقتصادية تستخدمها لمساندة أعمالها، وتنشر تقديرات بناء على مخرجات تلك النماذج، ولعل أقرب مثال هو ما استندت إليه «ماكنزي» في تقريرها المشهور حول السعودية بعد النفط، حيث أشار إلى أنها استندت إلى نموذج عن الاقتصاد السعودي.

لننظر إلى ما قالته «موديز» تبريراً لخفض تصنيف المملكة على المدى الطويل درجة واحدة من المرتبة Aa3 إلى A1، على قدم المساواة مع اليابان. قالت: إن النظرة المستقبلية للمملكة مستقرة، وتوقعت أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي سيتقلص 5 بالمائة هذا العام (2016) متأثراً بهبوط أسعار النفط، والعودة إلى مستويات ما قبل الصدمة بحلول عام 2019.

وأضافت: ان النمو الحقيقي للناتج على مدى السنوات الخمس المقبلة متوقع أن يكون - في المتوسط - 2 بالمائة، أقل من مستوى 5 بالمائة المتحققة بين 2011-15، وتنبأت أن العجز المالي للعام الحالي (2016) سيساوي تقريبا مستواه في العام الماضي، أي 14.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ولست ممن يؤيد أن يخرج أحدٌ لمعارضة ما قالته «موديز»، فذلك شأنها، ثم ان التصنيف هو تصنيفها تضعه بناء على حيثيات هي المسئولة عن تحري دقتها ووجاهتها، لكن حديثي هو عن ملء الفراغ، حالياً لا توجد أرقام أو إحصاءات محلية لنضاهيها مع ما تنبأت به «موديز»! إذاً، أمامنا ما قالته «موديز» فقط! هل سيكون أداء الاقتصاد السعودي منكمشاً كما قالت؟ أم سيتباطأ عما كان عليه في العام المنصرم (2015)؟

لا إجابة من المصدر الرسمي. هذه هي النقطة: أننا لا ننشر توقعات لأدائنا الاقتصادي (الكلي وعلى مستوى الأنشطة)، ولا نحدثها كل ربع، وكذلك الأمر لبقية المؤشرات. من الصعب قبول أن تستأثر بالفراغ جهات أخرى في حين أن الجانب الرسمي غائب، لاسيما في هذا الوقت الذي نسعى للعمل وفق رؤية فيها تحد وإصرار، وتوجه نحو تعزيز الشفافية والمحاسبة، وحرص على قياس الأداء.

لا نعيش في الثمانينيات، لكن ليس أبلغ من استحضار تجربتنا منذ منتصف الثمانينيات ولفترة عقدين من الزمن، عانت خلالها الخزانة العامة من عجز في الإيرادات اضطرها للاستدانة حتى وازى الدين العام - من حيث القيمة - الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. شهدت إيرادات العام 2015 تراجعاً كبيراً مقارنة بالعام الذي سبق (2014)، وشهد ذلك العام نمواً في الإيرادات غير النفطية إلى 163.5 مليار ريال، فما الذي سيحدث هذا العام؟ كيف سيكون المتوقع للايرادات إجمالاً، والايرادات غير النفطية تحديداً، وكيف سيتأثر الانفاق العام، ويؤثر على أداء الاقتصاد ككل؟

نحن في منعطف جديد، لن يجدي معه أسلوب جربناه سابقاً، وهو التكتم في نشر البيانات ومعايير الأداء اقتصادياً ومالياً وسواهما. مررنا بالأمس بالتجربة الأولى في هذا السياق، بأن أعلنت «موديز» عن التخفيض ونشرت مبرراتها، قرار التخفيض لها، أما التبريرات فهي قالت ما استخرجته من نموذجها الاقتصادي، فيما نحن لم نستخرج أي شيء من نموذجنا الاقتصادي، وقد يفسر الفراغ والصمت بأن ما ذكرته «موديز» في مبرراتها على أنه هو القول. السؤال: لمن ستكون الكلمة الأخيرة والصحيحة؟!

نقلا عن اليوم