دافعت دول الخليج عن حصتها في سوق النفط، وبدأت هذه السياسة تؤتي أكلها، إلا أن المشكلة أن المهدد الأساسي لاقتصادات دول الخليج هو الغاز الأميركي، ومن ثم فإن ارتفاع أسعار النفط لن يحل مشكلة دول الخليج، خاصة أن الغاز الأميركي يهدد صناعة البتروكيماويات الخليجية وصادرات السوائل الغازية والغاز المسال؛ لهذا فإن تنويع مصادر الدخل في دول الخليج ممكن، ولكنه سيكون أكثر صعوبة مما يتصور البعض.
يتفق عدد من الخبراء على أن أسعار النفط سترتفع ارتفاعا كبيرا في المستقبل، إلا أنهم يختلفون اختلافا كبيرا في التوقيت، وأعتقد بأن أكثر السيناريوهات قربا من الواقع هو ارتفاع كبير لأسعار النفط في عامي 2017 و2018، ثم هبوطها بعد ذلك إلى مستويات معقولة، وبذلك فإن هناك فرصة خلال السنوات القادمة لدول الخليج كي تعيد هيكلة اقتصاداتها بتمويل من عائدات النفط.
وما يسوغ ارتفاع أسعار النفط مستقبلا هو الانخفاض المستمر في الإنتاج العالمي للنفط، في الوقت الذي يُتوقع فيه استمرار ارتفاع الطلب على الخام، والسبب الرئيسي في ذلك هو أسعار النفط المنخفضة؛ فقد نتج عن انخفاض الأسعار تأجيل أو إلغاء استثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات في عمليات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج، ليس في دول خارج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) فقط، بل في دول أوبك أيضا.
ونتج عن انخفاض أسعار النفط أن بعض شركات النفط الوطنية والخاصة عجزت حتى عن تمويل عمليات الصيانة، الأمر الذي سيخفض الإنتاج من الآبار المحفورة سابقا. وتشير بعض التقديرات إلى عجز بين 2 و3 ملايين برميل يوميا عام 2018، بينما ترى إحدى كبرى شركات النفط الأوروبية أن العجز قد يصل إلى سبعة ملايين برميل يوميا عام 2020.
ارتفاع الأسعار لن يزيد إنتاج النفط الأميركي
وهناك من يرى أن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى انخفاضها مرة أخرى بسبب زيادة إنتاج النفط الأميركي. هذه الفكرة صحيحة في المدى البعيد، لكنها غير صحيحة في المديين القريب والمتوسط. إن ارتفاع أسعار النفط إلى ستين دولارا للبرميل مثلا لن يؤدي إلى أي زيادة في إنتاج النفط الأميركي للأسباب التالية:
1- الشركات ستركز على تحسين وضعها المالي: نظرا للوضع المالي الصعب للشركات النفطية الأميركية فإن أي زيادة في الإيرادات نتيجة ارتفاع أسعار النفط ستستخدم لدفع الديون أولا، ثم تحسين المركز المالي للشركة ثانيا، ولن تستخدم في الإنفاق على عمليات حفر جديدة.
2- عدم وجود عمالة كافية: نظرا لقيام الصناعة، خاصة قطاع الخدمات، بالتخلي عن عشرات الألوف من العمال والمهندسين والخبراء، فإنه لا يمكن زيادة الإنتاج بسرعة، مهما ارتفعت الأسعار. وتشير البيانات التاريخية إلى أن نسبة عودة هؤلاء العمال والمهندسين إلى قطاع النفط بشكل عام وإلى وظائفهم بشكل خاص منخفضة؛ وهذا يعني أن أي ردة فعل من قبل المنتجين الأميركيين على ارتفاع الأسعار ستكون بطيئة.
3- عودة التكاليف إلى الارتفاع: وهذا يعني أن انخفاض التكاليف في الشهور الأخيرة أمر مؤقت وليس دائما، ولا يمكن لشركة نفطية حفر بئر أو إكماله إلا إذا دفعت رسوما أعلى في ظل منافسة شديدة على الموارد المتاحة.
وقد تتطلب عملية التكسير الهيدروليكي -التي كانت أحد الأسباب الرئيسية لثورة النفط والغاز الأميركية- انتظارا قد يستمر ثلاثة شهور، بسبب ندرة الفرق العاملة في هذا المجال بعد تسريح أعداد كبيرة منها من قبل شركات الخدمات النفطية، وارتفاع التكاليف يعني أن بعض الشركات ستتأخر في العودة إلى عمليات الحفر حتى تصبح هذه العمليات مجدية اقتصاديا؛ وسيكون أثر ذلك على السوق كبيرا إذا لم تتوقع الشركات ارتفاع التكاليف، لأن ذلك يعني تغيير خططها بالكامل وتأخير المشاريع.
4- منافسة الغاز الرطب للنفط: مع وصول أسعار النفط إلى نحو ستين دولارا للبرميل سيواجه المنتجون الأميركيون ظاهرة خاصة بهم: الحفر في حقول الغاز الرطب قد يكون مجديا أكثر من بعض حقول النفط، الأمر الذي يعني أن الاستثمارات ستتوجه إلى الغاز الرطب وليس النفط، مما يؤخر عودة النفط الأميركي إلى الأسواق.
وسبب هذه الظاهرة أن العديد من الشركات والمنتجين المستقلين يملكون عقودا للتنقيب في مناطق مختلفة، بعضها غني بالنفط، وبعضها غني بالغاز الجاف، وبعضها غني بالسوائل الغازية، وفي بعض الأحيان نجد أن هذه الحقول متقاربة، أو أن هناك طبقات جيولوجية مختلفة، وكل ما على الشركة هو اختيار الطبقة التي تود استخراج المواد الهيدروكربونية منها.
وما يشجع المنتجين على هذا الخيار هو أن السوائل الغازية يسعر أغلبها وفقا لأسعار النفط، وبالتالي فإن الشركة تستفيد من ارتفاع أسعار النفط، وفي الوقت نفسه تستفيد من الغاز، والذي يصدر حاليا إلى المكسيك وكندا في أنابيب، أو على شكل غاز مسال بالسفن المخصصة لذلك عبر موانئ على خليج المكسيك.
5- النمو الكبير في الإنتاج يتطلب أسعارا عالية: بشكل عام، إن أسعارا بين 60 و65 دولارا للبرميل قد تسهم في وقف الانخفاض في الإنتاج، لكنها لن تؤدي إلى نمو إنتاج النفط الصخري. الإنتاج الأميركي سيبدأ النمو بأسعار فوق سبعين دولارا للبرميل، وقد ينمو بأقل من نصف مليون برميل يوميا بأسعار في حدود ثمانين دولارا للبرميل.
إن العودة لأيام النمو في الإنتاج فوق مليون برميل يوميا تتطلب أسعارا فوق تسعين دولارا للبرميل؛ لهذا فإن الارتفاع الكبير في الأسعار المتوقع خلال السنوات الثلاث المقبلة سيمكن الأميركيين من رفع إنتاجهم في المدى الطويل، لدرجة أن الولايات المتحدة قد تصبح أكبر منتج للنفط الخام في العالم.
المشكلة عندها أن العجز في المعروض سيكون أكبر من الطاقة الإنتاجية الفائضة في السعودية، لهذا فإن السعودية لن تتمكن من كبح جماح أسعار النفط إلا إذا تمكنت من تحويل اعتماد قطاع الكهرباء إلى الغاز والطاقة المتجددة بنسبة كبيرة، عندها ستستطيع زيادة صادراتها النفطية دون زيادة في الإنتاج.
خطر الغاز الأميركي على دول الخليج أكبر من النفط
قد يكون أثر ثورة النفط الأميركية في اقتصادات دول الخليج أكثر وضوحا لدى القراء بسبب التغطية الإعلامية الكبيرة لأسواق النفط وأسعاره من جهة، وبسبب الأثر المباشر في المواطن الخليجي والمقيمين في الخليج.
إلا أن الواقع المر أن أثر ثورة الغاز الأميركية في اقتصادات الخليج قد يكون أسوأ وأكبر من أثر ثورة النفط الأميركية، وإذا كانت السعودية تتحكم في أسواق النفط، وتستطيع إصلاح ما يمكن إصلاحه، فإن الأمر ليس كذلك في مجال الغاز؛ من هنا يتضح الدور المهم لتنويع الاقتصاد وتنويع مصادر إيرادات الدولة، لأن المصدر الرئيسي للدخل في الخليج هو النفط، أما صناعة النفط والغاز الأميركية فهي صناعة من الصناعات التي يملكها القطاع الخاص في اقتصاد الولايات المتحدة الكبير.
يتوافر الغاز والسوائل الغازية بكميات هائلة في الولايات المتحدة، ويمكن إنتاج كميات كبيرة منه بتكاليف زهيدة نسبيا، لدرجة أن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للغاز في العالم حاليا، وتصدر الولايات المتحدة الغاز بكميات متزايدة إلى المكسيك وكندا، وبدأت مؤخرا تصدير الغاز المسال.
كما أنها تصدر السوائل الغازية بدرجة متزايدة، خاصة البروبان والبيوتان والغازولين الطبيعي، وبدأت مؤخرا تصدير الإيثان. وتشير البيانات إلى أن المنتجين الأميركيين أخذوا من حصة بعض دول الخليج في أسواق الغازات السائلة في أميركا الوسطى وأميركا اللاتينية.
إن مشكلة دول الخليج مع الغاز الأميركي أكبر من النفط للأسباب التالية:
1- ستنافس الصادرات الأميركية من الغاز المسال صادرات ثلاث دول خليجية من الغاز المسال، وهي قطر والإمارات وعُمان، وكلما ارتفعت أسعار النفط زادت تنافسية الغاز المسال الأميركي في الأسواق العالمية لأنه مسعّر بناء على سعر الغاز في الأسواق الأميركية، بينما يتم تسعير أغلب صادرات الدول الأخرى بناء على عقود تربط سعر الغاز المسال بسعر النفط، ويتوقع أن ترتفع الطاقة التصديرية للغاز المسال إلى أكثر من ثمانية مليارات قدم مكعبة يوميا عام 2020.
2- تزايد الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي إلى المكسيك عبر الأنابيب سيحل محل واردات المكسيك من الغاز المسال، مما يخفض الطلب عليه ويخفض الأسعار، وهناك خطط لمشاريع تحويل محطتين لاستيراد الغاز المسال في المكسيك إلى محطتي تصدير للغاز المسال وتغذيتهما بالغاز الأميركي.
3- بسبب وفرة ورخص الغاز الأميركي والغازات السائلة فإنه يُتوقع نمو كبير في قطاع البتروكيماويات الأميركي، الذي سينافس البتروكيماويات الخليجية، وأي ارتفاع في أسعار النفط يعني أن صناعة البتروكيماويات الأميركية هي أكثر المستفيدين لأنها تستطيع التوسع بشكل كبير بسبب وفرة الغاز ورخصه، بينما لا تستطيع دول الخليج ذلك بسبب عدم توافر الغاز، في الوقت الذي ستعاني فيه صناعة البتروكيماويات الأوروبية والآسيوية بسبب ارتفاع أسعار النافثا (اللقيم النفطي البديل للغاز) والإيثان.
4- زيادة استخدام الغاز في قطاع الكهرباء وفي القطاعات الصناعية سيمكن الولايات المتحدة من تحجيم الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يشجع الولايات المتحدة على التعاون مع الدول الأوروبية على فرض قوانين بيئية تؤثر سلبا في صادرات دول الخليج.
5- يلاقي الغاز الطبيعي قبولا كبيرا من قبل السياسيين وبعض حماة البيئة كونه أنظف من الفحم والنفط، وكونه الحل العملي لكثير من المشاكل البيئية دون دعم حكومي لمنتجي الغاز، خاصة إذا قورن بحجم الدعم الهائل الذي تقدمه الحكومات الأميركية والأوروبية والصينية لصناعتي الطاقة الشمية وطاقة الرياح.
والمعضلة التي تواجه دول الخليج هي أن ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير سيؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي في وقت لاحق، وهذا بالضرورة سيؤدي إلى زيادة إنتاج الغاز المصاحب، وبالتالي زيادة إنتاج الولايات المتحدة من الغاز، حتى لو كانت أسعاره في الحضيض.
إن أحد أسباب انخفاض أسعار الغاز في الولايات المتحدة بين عامي 2010 و2014 هو أن الشركات حققت أرباحا مجزية من أسعار النفط المرتفعة، بينما كانت ترمي بكميات ضخمة من الغاز بأسعار زهيدة جدا، لدرجة أن تكلفته في بعض الأحيان كانت سالبة.
خلاصة القول إن بعض دول الخليج قامت بما يمكنها لاستعادة حصتها في أسواق النفط، لكن استعادة الحصة وارتفاع الأسعار لن يحلا مشكلة الخليج الأساسية، التي لا تستطيع دول الخليج حلها، وهي الغاز والسوائل الغازية الأميركية.
إن تنويع مصادر الدخل والتركيز على البتروكيماويات والصناعات كثيفة الطاقة ما زالا مهددين من قطاع الغاز الأميركي؛ لهذا فإن تنويع مصادر الدخل في دول الخليج قد يتطلب دخول شركات هذه الدول، خاصة البتروكيماويات، السوق الأميركية، لا سيما سوق الغاز الصخري، أو أن الحل هو عدم الهروب من النفط والتركيز على توطين صناعة الطاقة، بحيث تصبح السعودية مصدّرا لخبراء وتكنولوجيا الطاقة.
نقلا عن الجزيرة نت
مشكلة الخليج نقص المسئولين المخلصين لاوطانهم و اعمالهم و هو مؤشر لاستمرار الفساد. البطالة تزداد بسبب كثير من المسئولين الذين يتميزون بالترزز و النفاق و لا احد يستشعر الخطر من ذلك. الايرادات تزداد و تنخفض باستمرار و لكن بدون اصلاح حقيقي فلن يضيف ذلك الا اضرار
ألم تعلم بأن البترول ارتفع من 27.5 الى ثرب 50 دولار اين هذا الكلام عندما وصل البترول اقل من 30 دولار
إذا منع لبس البشوت بالذات في الجامعات ممكن نقدر نسوي شي أما مادامت المناصب توزع حسب قدرة المسؤول على التملق وإقامات الحفلات لبيع الوهم للإعلام والتفاخر بالكلام بدل العمل .. فسيكون تقدمنا بطيئا ! ولن يكون على قدر طموح وامال المواطن
لا بد من دراسات استراتيجية فالمشاكل كثيرة أخطرها رخص النفط أو نضوبه نريد برامج مستقبلية لأس الحضارة وأساسها ( الطاقة ) إن لم نهتم بالطاقة الشمسية تأتي إحدى الشركات وتستغل وتطور 50 كلم2 فقط ثم نشتريها منها :(