تعمل المنظومات المتقدمة على بناء العوامل الأساسية لنجاح الأعمال، بل إن إيجاد عوامل النجاح هي الضمان الوحيد لنجاحها واستمراريتها.
هناك دول تنعم بمصادر طبيعية ولم يكن لديها دوافع للبناء الحقيقي للأعمال، ومعروف أن هذه المصادر لن تكون مستدامة أو أن قيمتها ستضعف مع مضي الوقت، فتواجه تلك المنظومات صعوبة اللحاق بالركب.
يبقى الخيار دائما مهما اختلفت الهوية والإستراتيجية هو بناء "العوامل الأساسية للنجاح" (سواء لدول أو منشآت قائمة أو جديدة أو منظومات وزارية)، ولكن تبقى المشكلة العظمى هي الاعتقاد بأن عوامل النجاح متوفرة وقائمة ومستخدمة، ومع تكرر التعثر والفشل، تستمر المشكلة طالما أن الاعتقاد قائم.
لذا يلزم توفير عوامل النجاح متى ما أرادت المنظومات القيام بالأعمال والمضي قدما في بناء الأعمال لينعكس على المزايا التنافسية والريادة وبناء البيئة الحاضنة للفكر والتطوير.
المملكة تعاني من مشكلة عدم تنويع مصادر الدخل، والبطالة، وتطوير الصناعات، وتعثر المشروعات بشكل ملحوظ، ولذلك يلزم مراجعة العوامل الأساسية للنجاح، وهي:
التخطيط: فالتخطيط السليم يعتمد على إحصاءات دقيقة ورؤية واضحة، ورسالة ترسم الطريق لتحديد الرؤية، وأهداف متعددة للسير على طريق الرسالة مبنية على قيم وضرورات، وأيضا مبادرات لتحقيق كل هدف. المملكة تحدثت في أول خطة لها عام 1970 عن تنويع مصادر الدخل، وها هي متعمقة في الاعتماد على النفط بأكثر من 90% من دخلها، ولعل برنامج التحول الوطني يأتي بخطة تخرجنا من المأزق.
صنع القرارات: إذ يجب أن يكون صنع القرارات من مراكز تطوير وبحوث ودراسات، فلن تقوم قائمة لمنظومة أعمال لا تستفيد من جامعاتها ومراكز التطوير والدراسات، فنحن من (خدر) الجامعات ونحن من استعان بالشركات الأجنبية لبناء خطط إستراتيجية وبناء قرارات للأعمال، بل إن بعض القرارات تصدر من اجتماع أو ورشة عمل صغيرة يناقش بها موضوع مهم يغير من وجهة الدولة. أصبحت الشركات تضع خططا مبنية على قرارات ليست مبنية على دراسات.
تعيين الكفاءات: فما زال تعيين الكفاءات يتم بناء على التوصيات، ولا تستخدم معايير أساسية لذلك، بل إن أشخاصا خدموا مناطق وأعمالا لعشرات السنين وآثارهم فاشلة عند قياس المؤشرات الأساسية، ومع ذلك تجدهم يرتقون إلى مناصب عليا. هناك معايير تستخدمها الدول المتقدمة لتعيين الكفاءات للمناصب العليا، وهذه المعايير أثبتت نجاحها في كثير من التجارب.
تطوير المهارات الإدارية المستمر: تخلو المملكة وتخلو المنظومات القائمة من برامج التطوير المستمر للمسؤول، فلا تجد مسؤولا كـوكيل وزارة أو مديرا عاما يلتحق ببرامج التدريب التنفيذية والمتوفرة في أفضل الجامعات العالمية، هذه البرامج مدتها من 3 أشهر إلى 9 أشهر ولكنها مكثفة وتركز على تطوير الأعمال وإدارة المخاطر وبناء الفكر الإستراتيجي وغيره من المهارات.
أيضا، لا تجد مسؤولا يلتحق بانتداب بالعمل في دول أخرى، فمثلا لا نجد مسؤولي البلديات يعملون كانتداب مع بلديات اليابان وأستراليا وغيرها كبرنامج تطويري لمدة سنتين للشخص، فيرجعون بفكر مختلف ومتطور واطلاع على آليات الأعمال.
الأنظمة وإدارة المشروعات: تطوير الأنظمة يضمن الانضباط والاستمرارية، فمثلا فوضى العمالة الوافدة واضحة وفوضى الأعمال أيضا ويستطيع الشخص غير المتخصص استنتاج غياب الأنظمة بمجرد التفكير في حجم غسل الأموال والتستر والاحتكار وغيرها، وأيضا الجانب الاجتماعي نجده غائبا في المخالفات المرورية وظاهرة التفحيط وأنظمة التحرش والعنف الأسري.
الحوكمة والنزاهة: أخيرا الفساد لا يمكن أن يتكاثر في منظومة ناجحة تجد بها بعض المؤتمنين يمارسون الفساد بأنواعه، ففساد مسؤول بلدية أو كاتب عدل ومن هم بمستويات عالية يعكس علامات فساد كبير جدا، فالفساد لا يوجد في أي منظومة ناجحة.
كلنا أمل بأن يأتي الفرج عبر برنامج التحول الوطني ليعالج كل النواقص، فالمملكة بحاجة إلى تغيير جذري في أعمالها التي لن تتم إلا بإيجاد العوامل الأساسية للنجاح.
نقلا عن الوطن
مقال رائع يا بو محمد