ثلاثة أسئلة غير رومانسية عن المطر!

14/04/2016 1
د. إحسان بوحليقة

خرجت صباحاً لأشاهد منظراً نضراً ولا أجمل عقب ليلة ممطرة، فما أن قدت سيارتي بضع مئات من الأمتار حتى قابلت تجمعاتٍ هائلةٍ للمياه تغمر الشوارع! خلال الأيام الماضية شهدنا أمطاراً هي بإذن الله أمطار خير وبركة، لكن انظر ماذا فعلت في حواضر عدة.

وبالقطع فإن الفيضانات تحدث في كل البلدان، لكن الحديث هنا عن مشاريع هندسية، من أنفاق وسدود، أنفق من أجل «هندستها» مبالغ هائلة، ثم تغرق في «نصف ساعة مطر»!

كل عامٍ نكتشف ذات الاكتشاف، أن العديد من حواضرنا ليست مهيأة لاستقبال المطر حتى لساعةٍ أو اثنتين، فذلك كافٍ لجعل شوارعَ تغرق، ومدارسَ تُعلق! ذلك على الرغم من أننا جميعاً نتطلع لهطوله ونصلي لله سبحانه استجلاباً له، فالمطر من علامات الخير.

وحري أن نتذكر أن ما يهطل علينا لا يقارن بما يهطل من مَطر على العديد من البلدان، فنحن نتلقى مليمترات قليلة (20-30 ملم)، في حين تتلقى بنجلادش في بعض السنوات ما يزيد على 2600 ملمتر.

ولعل بنجلادش أحد أكثر بلدان العالم تعرضاً للكوارث مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف والتسونامي والزلازل، بل وحتى الانشقاقات الأرضية.

وأزيد أن الفيضانات في بنجلادش أنواع، فلا تقتصر على الأمطار بل هي متعددة المصادر والأسباب، وكارثية فخسائرها ثقيلة في الأرواح والممتلكات.

خلاصة تجربة بنجلادش في الكوارث الطبيعية أن ليس بوسع أية بنية تحتية أن تستوعب حجم كميات أمطار الفيضانات، ولذا أنشأت بنجلادش منذ عقود جهازاً مركزياً للتعامل مع الكوارث الطبيعية، بما في ذلك مركزٌ للتنبؤ بالفيضانات والتحذير منها ضمن منظومة متكاملة لإدارة الكوارث.

لدينا، غدت فيضانات الأمطار حديثاً مؤلماً كل عام، وتتكرر في ذات الأماكن (نفس الأنفاق مثلاً) من نفس المدن! السؤال البديهي: لماذا لا نصلح ونتلافى، حتى لا يحدث فيضان في نفس النفق عاماً بعد عام، إن كان بالإمكان تلافي ذلك هندسياً؟!

الفيضانات تحدث، ولا سيما عندما تنهمر كميات كبيرة من الأمطار غير المتوقعة في فترة زمنية ضيقة، لكن لماذا أصبحنا نهاب هطول المطر ونحن نطلبه ونستجديه من الله سبحانه؟ هل خوفاً من غرق مدننا الرئيسية (أو أجزاء منها) كما حدث مراراً في جدة وحدث ويحدث الآن في الرياض والعديد من حواضرنا؟ المفارقة التي لم يجب عنها أحد من المسؤولين إجابة كاملة حتى الآن، والتي تستحق مؤتمراً علمياً يحضره مختصون وتلقى فيه أوراق بحثية استقصائية، هي: كيف لا تتصرف الأمطار رغم رصد الحكومة أموالاً لعشرات من مشاريع درء السيول وتصريف الأمطار؟!

وتحديداً، بلغت قيمة المشاريع القائمة والجديدة في ميزانية العام 2013 لتصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول وتوفير المعدات والآليات (38.200.000.000) ثمانية وثلاثين ملياراً ومئتي مليون ريال، وذات المبلغ في العام 2014، وثلاثين ملياراً في العام 2015! وليس واضحاً لي ما رُصد للعام 2016.

الأمر يستدعي أن تشمرّ هيئة مكافحة الفساد عن سواعدها لتبحث هي عن إجابة للمفارقة العجيبة: كيف ننفق على عشرات المشاريع من الميزانية العامة لتصريف السيول والأمطار ثم تغرق شوارعنا عندما تمطر لبضعة مليمترات؟ والسؤال المكمل: لماذا لم تؤد مشاريع السيول والأمطار مهمتها في تصريف السيول والأمطار؟ أدرك أن الحديث مكرور، وأن تجربتنا كبلد مع أمطار وسيول مدينة جدة كانت مؤلمة بالفعل، لكن المفارقة الأكثر إيلاماً أن المعاناة ما زالت قائمة: الأمطار تهطل ولا توجه لمجارٍ لها، بل تهيم في الشوارع والطرقات لتغرق الأنفاق التي يفترض أنها صُممت وهُندست ونُفذت آخذةً في الحسبان تصريف الأمطار عندما تهطل، وإلا ما الفائدة إن لم تقم بتلك الوظيفة؟!.

والسؤال الثالث: يرد البعض بأن ما نشهده هو فيضانات لا قبل لأي قنوات تصريف على استيعابها، فإن كان الأمر كذلك فكيف يجابه الفيضان؟ وكيف تُدار الأزمة الطارئة؟ وكيف نعرف ان هذا فيضانٌ أم أنه مجرد مطر غزيز؟ بمعنى أنه لا بد من وجود جهة واحدة مركزية تهب للتعامل مع الموقف في حال الكوارث الطبيعية، تلك الجهة المركزية هي التي تجمع البيانات والمعلومات وتحللها وتتخذ القرار سريعاً وتوجه الناس حتى لا يحدث إرباك، وبعد ذلك تستخلص الدروس والعبر، حتى لا تتكرر المآسي ثانية وثالثة ورابعة وخامسة.

ولا مجال لشخصنة المسألة، ولا للمزايدة فيها، فالحكومة ترصد أموالاً لمشاريع التعامل مع السيول والأمطار، ثم لا تقوم تلك المشاريع بوظيفتها، ثم إن ذات المواقع تغرق كل عام، لماذا؟ ألا ينطوي هذا على شبهة فساد وإهمال؟ هذا أمر يستحق التعامل معه تعاملاً حاسماً، لاعتبارات عديدة ليست خافية، ليس أقلها: صيانة المال العام، والاطمئنان لتحقق التنمية فعلاً بأن المشاريع تُنفذ وتؤدي وظيفتها التي صُممت من أجلها، وإتاحة الفرصة لكي نستمتع بنعمة هطول المطر، فنذهب «لنكشت» في الصحاري مطمئنين أننا لن نعود لبيوتنا وقد غرقت، والشوارع المؤدية لها قد أصبحت بحيرات وبِركا تلتهم سياراتنا، فيتحول كل ذلك لمواد إعلامية مُحرجة!

نقلا عن اليوم