تربية أولادنا ليرفضوا العمل ويقبلوا السعودة الوهمية!

12/04/2016 3
د. إحسان بوحليقة

من شبابنا من لايريد أن يعمل، وهناك من يريد ولكن في وظيفة «ميري» تكسبه مهابة وسلطة والقليل من الضغوط ودوام ليس فيه إجهاد، ليحتفظ بأكبر قدر من ساعات النهار لشؤونه الخاصة وللترويح عن نفسه وإراحتها بالنوم وبقضاء أطول ردح مع «الربع».

وهناك من يريد أن يعمل في أي وظيفة تدر راتبا لمساعدة أسرته ولتغطية مصاريفه. لكن هناك - كذلك- من يريد أن يغامر بالعمل لحسابه وليس للآخرين، فيتطلع لإنشاء عمله الخاص عسى أن يجني منه دخلا يتعاظم كل يوم ليصبح نجاحا ماليا واجتماعيا مدويا. كيف تعرف من أي الفئات أنت؟

ابحث في ذاتك، هل أنت ممن ولد ليصبح موظفا ينتظر، ينتظر الراتب آخر الشهر، وينتظر ساعة بداية الدوام وساعة انقضائه، ويتنظر قدوم العلاوة على مهل؟ أم انك ممن يريد أن يغامر بتأسيس باب رزق؟

البون شاسع بين التوجهين ولعل معرفة الشاب لأي توجه يميل يصرف من أمامه الكثير من الخيارات ويكفيه التشتت.

ورغم أهمية هذا السؤال إلا أننا عادة لا نسأله لليافعين، وحتى إن سألناهم فذلك لن يكون بحد ذاته كافيا، فلابد من تأهيل الشاب أو الفتاة من الصغر قبل أن يكون بوسعه أو بوسعها معرفة هدفه من حياته العملية بوعي وإدراك، إذ كيف نتوقع منه أن يجيب على أمرلا يستطيع أن يتصوره، فهو لم يعمل من قبل!

ويبدو أننا لا نمهد لفكرة ممارسة العمل والانتاج وإضافة القيمة على اليافعين مبكرا بما فيه الكفاية، وكأننا قررنا الانقلاب عما كان يمارسه آباؤنا وأجدادنا قبل الفسحة الزمنية النفطية.

وحتى إن عرضناها فنعرضها ممجوجة مشوهة، فمثلا نحن نتحدث فيما بيننا ونحدث أبناءنا وبناتنا عن أهمية الاعتماد على النفس والابتعاد على الاتكالية، فلا يتحرج طفل صغير أن ينادي العاملة المنزلية لتجلب له كأس ماء من المطبخ أو علبة مناديل على بعد أمتار قليلة!

ونتصرف بأنفة وترفع عن الزج بأطفالنا ليتدرجوا على أعمال بسيطة، ليس بقصد الكسب المادي بل ليتدربوا، وليدركوا أن بوسعهم كسب المال بالعمل الجاد وبذل المجهود وتحقيق نتائج. ويتدرب على تلك المعاني العميقة عمليا، كأن يصنع منتجا يدويا ويبيعه، أو أن يقوم بالمساعدة في عمل وينال مقابلا عنه.

البعض ينظر لأمور لكنه لا يحرص على الدفع بأبنائه للعمل في العطل المدرسية، بل المؤسف أن من الآباء والأمهات من يعارض تلك الفكرة معارضة تامة بقوله: لسنا بحاجة لبضعة ريالات، أو: لن يعمل ولدي عند أو تحت فلان! وما إلى ذلك من تبريرات مشبعة بالأنفة الفارغة.

وهي أنفة فارغة كونها نسفت كل ما يمثله العمل من قيمة واستقلالية وسعي للاعتماد على الذات وابتغاء النفع للمجتمع، واختزلتها في «بضعة ريالات»، وهذا إسفاف بحق قيمة العمل العالية وما تجلبه للفرد لاختبار قدراته وتحقيق ذاته.

وعلى الرغم من إقرارنا أن العمل ليس أجرا فقط، لكن يبدو أن هناك شريحة لا بأس بها من المجتمع تقرن العمل بالأجر ولا تأبه بأي شيء آخر، رغم أن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحا.

أعود لأقول، أنه ونتيجة لتأخرنا في دفع أبنائنا للعمل مبكرا ولعرضنا المشوه نجد أن عددا منهم أصبح يعتقد - مخطئا- أن هناك أعمالا «محترمة» وأخرى «ممتهنة» لا تليق به، وأنه لكي يحظى باحترام المجتمع عليه أن يحصل على وظيفة «محترمة». والحقيقة، أنه حتى يحصل على احترام نفسه عليه أن يعمل ويكتفي ويستقل ماليا.

والخطورة هنا أنه يتعلم من أسرته أن يزدري أناسا بسبب ما يمارسونه من أعمال يحتاجها المجتمع، ولم يرتكبوا أي جرم أو فرية سوى أنهم امتهنوا أعمالا مشروعة يحتاجها المجتمع! لذا، ينشأ الفتى مفضلا المكوث عاطلا يأخذ مصروفه من والديه رغم بلوغه من العمر عتيا بانتظار الوظيفة «المحترمة»، لماذا؟

لعل أحد الأسباب أننا زرعنا في ذهن الابن أن الأهم هو «هالة» و«برستيج» الوظيفة وما تولده من انطباع «مهيب» في أعين المجتمع، فأخذنا القشور وابتعدنا عن الجوهر، فأصبحنا مجتمعا نعتمد على الآخرين ليس اضطرارا بل اختيارا مدفوعين بالأنفة والترفع، متناسين أن ما يوصل المرء للنجاح ليس أنفته بل ما يجيده، وما يستطيع الالتزام به وتنفيذه، وليس فقط الطموح العريض النابع ليس من المهارة والقدرة بل من شعور غير مبرر بأنه «أرفع» من الآخرين، ومن عقد «الأنفة والعظمة».

كثير منا لا يدرك أنه يزرع آفة في عقل ابنه، فيقضي الابن بقية حياته لا يبحث عن عمل بل يلاحق عمل «أبهة» باعتبار أنه «أرفع» من الآخرين، ليس بسبب ما ينتجه هو ويقدمه للمجتمع بل بسبب ما ينتجونه هم ويقدمونه للمجتمع! وستجده يتجنب أن يعمل في وظائف «دون طموحاته» ولا يمانع أن يأخذ ألفا أو ألفي ريال نظير انخراطه في سعودة وهمية!

نقلا عن اليوم