إن شح المياه يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه المملكة في الوقت الراهن والمستقبل، ففي حين يتزايد الاستهلاك بفعل التزايد السكاني والنشاط الاقتصادي والزراعي، تتناقص كميات المياه الجوفية بسبب ارتفاع الاستهلاك عن معدلات التعويض البيئية الناتجة عن الأمطار. ولذلك جاءت فكرة الاستعانة بتقنيات التحلية الحديثة لتعويض الفرق بين المصادر الجوفية والاستهلاك.
إلا أن مشكلة هذا الحل تكمن في ارتفاع تكاليفه الرأسمالية والتشغيلية، إذ أشار المتحدث الرسمي لمؤسسة تحلية المياه المالحة إلى أن المؤسسة تتوقع أن تنفق 166 مليار ريال خلال العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين[3].
كما أشارت النشرة التعريفية الصادرة من وزارة المياه والكهرباء إلى أن تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة تعادل 12.5 ريال (دون ذكر تفاصيل التكلفة )، في حين يدفع المواطن جزء يسير من هذه التكلفة (أقل من 10% من التكلفة الحقيقة لـ 52% من المستهلكين) مما يجعل المؤسسة غير قادرة على مواكبة هذا التزايد في الاستهلاك بطريقة مستدامة.
ولعدم إمكانية زيادة المياه الجوفية، وعدم قابلية الحلول التقنية الحالية للاستدامة، لجأت الوزارة إلى مواجهة استهلاك المياه كحل قابل للتطبيق والاستدامة. وهو ما يأمر به العقل والشرع - ولو كنا على نهر جار - في ظل المعطيات الحالية التي تمنع من تعزيز انتاج المياه بشكل مستدام.
إذ قامت الوزارة بالتعاون مع الوزارات الأخرى بمواجهة الاستهلاك الزراعي عبر إيقاف زراعة القمح والأعلاف، ومواجهة الاستهلاك السكني والتجاري عبر حملات التوعية، التي تقر الوزارة بفشلها مرجعة السبب إلى انخفاض الأسعار.
ولذلك احتكمت الوزارة إلى قانون العرض والطلب عبر زيادة الأسعار، حتى يقوم المواطن بتقنين الهدر والاستهلاك الغير ضروري العالي المرونة. وهو قرار صائب في المنطق، غير موفق في التطبيق لأسباب عدة، منها:
أولا ً، "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ..." ؟ إذ تشير بعض التقارير إلى أن التسرب في الشبكة العامة يتراوح بين 30% و 40% [1][2]. إلا أن الوزارة تنسى نفسها وتطالب المواطن بأن يكون هو نقطة البداية. كيف يمكن للمواطن أن يتقبل فكرة "الترشيد" من جهاز غير رشيد يهدر 30% من موارده؟ ألا يمكن أن يكون ما يمنع الوزارة من حل هذه المشكلة، هو نفس المانع للمواطن؟
ثانيا ً، لا ينبغي للوزارة أن ترتجل قرار رفع السعر وتجعله نافذا في حينه. إذ إن استجابة المواطن لهذا القرار لا يمكن لها أن تكون سريعة. هل يتوقع متخذ القرار في الوزارة، أن المواطن قادر على معالجة تسريب المياه في الشبكة المنزلية في فترة قصيرة، في حين لم تستطع الوزارة معالجة التسريب في شبكتها حتى يومنا الحالي؟ أم تعتقد الوزارة أن المواطن قادر على استبدال السيفونات والخلاطات المستهلكة للمياه في فترة وجيزة؟ إن تعديل نمط استهلاك المياه يتطلب استثمارا في الأدوات الصحية بالإضافة إلى تعديل السلوك، وكلهما يتطلبان الدعم التوعوي والمادي.
إنني أعود لأؤكد بأنني أظن أن قرار رفع أسعار المياه، قرار صائب. إلا أن فرص نجاح هذا القرار قد تتزايد عند أخذ النقاط التالية في عين الاعتبار.
أولا ً، أن تقوم الوزارة بالتعاون مع مصلحة الجمارك على فرض رسوم على المواد الصحية ذات الاستهلاك العالي للمياه. مثلا ً، في حين تعلم الوزارة أن المستهلك الأكبر للمياه في المنازل هو السيفون، لم تقم الوزارة بالتحرك لوضع مواصفات واشتراطات فنية للسيفونات ذات الكفاءة العالية. كيف يمكن للمواطن معرفة ذلك؟ أم تعتقد الوزارة أن المواطن مطالب باستنتاج ذلك؟ ولنا في بطاقة كفاءة استهلاك الطاقة أسوة حسنة.
ثانيا ً، ينبغي أن تقوم الوزارة بتوفير الحلول الفنية والتقنية للمحافظة على المياه. فعلى سبيل المثال، يعلم الجميع اليوم بأن المسهلك الأكبر للمياه في المساكن هو السيفون، وأنه يمكن اعادة استخدام مياه المغاسل عوضا عن المياه النظيفة لتشغيله. السؤال، أين ذلك المنتج ؟
أم تطالبني الوزارة باختراعه وتصنيعه؟ لماذا لا تقوم الوزارة بتركيب هذه الأجهزة في المنازل أو توفيرها في السوق؟ وفي سياق إعادة استخدام المياه، لماذا لا تفكر الوزارة في اعادة استخدام مياه مواضئ المساجد في ري الحدائق العامة المحيطة بها؟ ألا تعتقد الوزارة بأن قيامها بهذا العمل، سيجعل المواطن يعي قيمة المياه حتى في عقله الباطن؟
أم أنها تريد الحل السهل بقطع الأشجار وتبليط الحدائق؟ ألا تعتقد الوزارة بأن من شأن ذلك إنعاش صناعة إعادة استخدام المياه في المملكة ؟ ألا تعتقد الوزارة أن عليها البدء بمرافقها ثم مرافق الدولة، قبل الانتقال للمواطن؟ ماذا عن منازل وزارة الإسكان؟ هل هي مصممة للحفاظ على المياه عبر إعادة الإستخدام؟ أظن أن البداية يجب أن تكون في جعل مرافقنا العامة مثالا لكفاءة استخدام المياه.
ثالثا، ينبغي على الوزارة تأهيل العاملين في مجال السباكة والكهرباء، ومنعهم من مزاولة النشاط دون الحصول على رخصة تضمن معرفتهم بالطرق الفنية والمواد ذات الجودة العالية التي تضمن جودة العمل وكفاءة الاستهلاك، مما يخدم المواطن والوزارة.
فلا تخلو المنازل من الزيارات المتكررة للسباكيين والكهربائيين، وذلك لسوء الأعمال والمواد ابتداء، مما يرهق ميزانية المواطن ويزيد من هدر الطاقة والمياه.
رابعا، أن تكون زيادة التعرفة بعد مدة زمنية كفيلة بإعطاء المواطن الفرصة لتعديل سلوكه الاستهلاكي على أن تقوم الوزارة بتوفير الدعم اللازم لعملية التحول قبل دخول التعرفة الجديدة حيز التنفيذ. فمثلا ً، يمكن للوزارة زيارة كل المنازل السكنية خلال هذه الفترة الزمنية مهما طالت، وتقديم عدة اقتراحات للمواطنين بأماكن التسريب، ونقاط الاستهلاك الزائد، وكيفية معالجتها. كما ينبغي للوزارة توفير الدعم المادي والفني لعملية التحول.
يا وزارة المياه والكهرباء، إنني أشارككم الحرص على هذا المورد الناضب، و أشد على أيديكم في إيجاد حل قابل للاستدامة لمشكلة المياه. لكن ما هكذا تورد الإبل.
إن توفير المياه يمكن أن يكون بقطع شجرة، أو إعادة استخدام المياه لهذه الشجرة. الأول أسهل، والآخر أجمل. وفيكم من الكفاءات والطاقات من هم أهل لهذه المهمة الشاقة.
هناك نقطه بدايه قبل هذه النقاط كلها .... عدادات المياه اكلها الصدأ وطمرها الغبار ....!! ... قدموا للناس فواتير هائله مبنيه على تخمينات .... قريب لي جائته الفاتوره ٢٠٠٠ ريال بعد ان كانت ١٣ ريال اذا زادت فذهب الى عداد المياه في بيته ليكتشف انه مدفون دفن من الغبار فصور العداد وذهب الى مصلحة المياه وعرض الصوره على الموظف المسؤول الا انه اعتذر وطالب قريبي بدفع الفاتوره ؟!!.. والكثيرين حالهم حال قريبي ولكن هذه الحاله انا اطلعت عليها بنفسي ورأيت الصوره .... مع الاسف الامور لدينا تتم غالبا ان لم يكن دائما بطريقه عشوائيه ....