الدخــــــان الأحمر

31/03/2016 4
محمد مهدى عبدالنبي

فى الفاتيكان حين يتعثر الكرادله فى اختيار بابا جديد للكنيسه يخلطون اوراق الترشيحات بمواد كيماويه وتحترق ليخرج للعامه دخانا اسودا يفهمون من خلاله انه لم يتم اختيار البابا الجديد بعد، وحين يتفقون على اسم معين يهل للناس الدخان الابيض معلنا انتهاء الامر وحسم الاختيار ... تذكرت هذا المشهد المهيب والمثير مع اقتراب اجتماع النفط فى الدوحه يوم 17 ابريل القادم و المؤجل من 20 مارس فى موسكو ليس لأهمية الاجتماع بقدر اهمية التفاصيل الدقيقه لما هو مستور.

الآن تنقسم الصوره الى نصفين ... فهناك من يصدر لعالم المال ان اجتماع الدوحه سيخرج دخانا ابيضا معلنا اتفاق المجتمعين على اقتراح تثبيت انتاج النفط عند مستويات يناير 2016 ليقفز النفط نحو السعر العادل وهو 60 دولار للبرميل واصحاب ذلك هم فينزويلا وبعض الدول العربيه ... وهناك من يروج لفكرة الدخان الاسود حتى قبل عقد الاجتماع، فجهة رسميه كوكالة الطاقه الدوليه رآت مبكرا انه لا جدوى من عقد الاجتماع وزادت عليها ايران و ليبيا و روسيا هذا التأكيد رغم مشاركتهم فيه.

وبين امل الاتفاق والم الاختلاف تصمت مجددا الولايات المتحده الامريكيه وتتحرى الصين الصبر حتى حين ويتناسى المحللين انها قضية سياسيه فى المقام الاول ويتبارون فى رصد وتحليلات المخزونات القياسيه الامريكيه واستهلاك الصين، بل ويستعدون لمقارنة نتائج الربع الاول من 2016.

وتبدو الصورة ممله لإعتياد الاسعار القاسيه للنفط  والنواتج والتبريرات المزمنه لذلك ... لكن الامر الخطير هو دخول العالم من 2014 فى نفق الهبوط المظلم لتكون النتيجه المرجوه هى جملة تغيرات سياسيه واقتصاديه واجتماعيه صاخبه بحجم هذا الزلزال الاقتصادى إلا ان ذلك لم يتحقق بشكل كامل حتى الآن ... والسؤال لماذا ؟! ....

الاجابه انه حين هيأت امريكا العالم لتلك الصدمه السعريه كانت تفكر بالعقل الامريكى و بمنطق الضربات الاستباقيه بعد الازمه العالميه فى 2008.. فأشتعلت منطقة الشرق الاوسط ( 65% من احتياطى نفط العالم) بالصراعات السياسيه واطلقت المراكز البحثيه الامريكيه مسمى ثورات الربيع العربى على ما حدث من 2011 حتى الان فى دول ليست نفطيه و لكن معظمها فى محيط المملكه العربيه السعوديه اكبر مصدر للنفط فى العالم .... 

ونجحت الولايات المتحده فى الضربات الاستباقيه فتبطأ نمو الصين وزادت معاناة روسيا الاقتصاديه وخضع اكثر الاتحاد الاوروبى للهيمنه الامريكيه واهتزت الميزانيات الخليجيه العربيه وحلقت امريكا بفارق اقتصادى وسياسى خيالى يضمن استمرار قيادتها الدوليه، إلا انها فشلت بالعقل الامريكى ان تصل لنتيجه شامله بإنهيار كامل لقوى تصدير النفط بالضغوط السعريه المروعه .. لم تعرف جيدا طبيعة شعوب تلك الدول و لا خصوصية انظمتها الحاكمه، وهذا جيد لأنه يعطى فرصه من الوقت لإعاده الحسابات والتوازنات الدوليه لكل الاطراف.

ادركت الولايات المتحده تعثر خططتها الطويله فأرخت حبال الازمه بالصمت الرسمى والعمل على تكديس المخزونات النفطيه اسبوعا بعد اخر، فراحت روسيا تبحث عن دور مفقود فتبنت عقد اجتماع نفطى استشعرت بقربه فى 20 مارس بأنه يزيدها ضعفا لأحتمالات فشله الكبيره ... فتم مده شهر اخر ليعقد فى الدوحه مقر الاجتماع الاول وللخداع الاعلامى بشأن تأثير العلاقات الجيده بين قطر وايران على الخروج موقف ايرانى اقل حده مما هو معلن.

وبين اصحاب الدخان الابيض والدخان الاسود يظهر ببطء دخان الخسائر الاحمر ... فالبورصات تتراجع عن قممها السنويه فى 2016 حتى الان والنفط يناور حول الاربعين دولار منتظرا اقتراب 17 ابريل ليهوى فى عمق الثلاثينات بعد اشارات رفع الفائده الامريكيه فى ابريل ايضا.

خلاصة القول ان الدولار مازال قويا ولن يعطى للنفط فرصه للصعود المأمول للستين دولار ... وكذلك الصراعات السياسيه مازالت فى مراحلها الاولى لتكون ملفات عمل الرئيس الامريكى الجديد، ويستمر الدخان الاحمر وربما يكون داكنا وواضحا فى القريب لأن تركة الخمس سنوات السابقه ثقيله وتجسدت فى يناير 2016 وتعيد تأكيد نفسها فى الثلاث ارباع الباقيه من تلك السنه التى لم يظهر فيها حلا واحدا واضحا حتى الان.