من حضّر العفريت ومن يصرفه؟!

20/03/2016 3
خالد أبو شادي

يقتنع البعض-بما فيهم محللين- أن في الهبوط الأخير للنفط لغزا غير مفهوم قد لا يفسره إلا السياسة، والسياسة لا تفسر إلا لنفسها فقط (أى لا تخبر أحدا بالحقيقة )، رغم تعرضه لنفس الأساسيات التي واكبت تراجعات سابقة في الثمانينات والتسعينات، وحتى في الألفية الجديدة أوضحت اختلال توازن العرض والطلب بشكل أو آخر.

هذا الأمر دفع منظمة الدول المصدرة للنفط إلى التدخل بخفض الإنتاج في كل مرة لإحداث التوازن، لكنها لم تفعل ذلك مؤخرا، هل لإختلاف الظروف؟ هل النية مبيتة أصلا بترتيب مسبق من قبل السعودية كما ادعت تقارير غربية كثيرة مثل "نيويورك تايمز" و "فورين بوليسي"؟

وعلى نفس المنوال، لماذا لا يكون الغرب هو المتأمر لإنهاك المنطقة وميزانيات دولها وتبديد مخزوناتها الاحتياطية من "عرق شعوبها" التي جمعت أثناء ذروة الأسعار السابقة لصالح ايران وخدمة مصالح الكيان الصهيوني؟

ولماذا لا تكون المؤامرة على روسيا وساهمت فيها السعودية كما قال السيناتور"جون ماكين" قبل نهاية 2014 بحوالي 12 يوما مع تسارع هبوط النفط، مشيرا إلى ضرورة شكر المملكة على ما قامت به حيث كانت سبباً -كما ادعى- في "تدمير" للاقتصاد الروسي وليس سياسة الرئيس الأمريكي؟

وعلى نفس الوتيرة، ولماذا نستثني فنزويلا من المؤامرة أيضا، لطالما هاجمت الولايات المتحدة وسياساتها، وهل حقا تحتاج "فنزويلا المنهكة" أصلا إلى انهاك؟

التفسيرات تتعدد وتختلف وتتشعب، لكن في النهاية حدث ما حدث، وتراجع النفط، وهناك خاسر في مقابله رابح، وتلك هي المحصلة التي يجب الالتفات إليها في النهاية للتقييم، والخروج بنتائج مفيدة حاضرا ومستقبلا.

الأمر أشبه بالمثل الشعبي (من حضّر العفريت يصرفه) لكن لا أحد يعرف من حضّره، هل نحن ، أم فعلت أمريكا ذلك، أم حضر هو بنفسه، وفي النهاية وعلى اختلاف الآراء-وهذه هو لب الأمر- أن العفريت لم ينصرف بعد.

في وقت سابق من مارس/آذار الحالي أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "سي اس اى اس" تقريرا عن "الأزمة القادمة" لإيرادات النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

واستهلالا يرى التقرير أن العالم يركز في متابعته على داعش وما تفعله في سوريا وليبيا والعراق، والربيع العربي الذي تحول شتاءً، وتداعياته على المنطقة، على الرغم من تزايد ضغط النمو السكاني، و"فشل" خطط التنمية الاقتصادية، وعدم تواجد فرص عمل، قضايا ملحة.

وهل يمكن أن تخطط ويكون لديك تنمية مع انعدام الأمن والاستقرار؟ النظرة الكئيبة للتقرير يبررها بوجود أنظمة استبدادية حكمت لفترات طويلة وغلفها الفساد المتغلغل الذي لا يمكن معه بناء دولة أو قيام نهضة حقيقية وليست "استهلاكية".

بالطبع هذا جزء من الحقيقة المرة، لكنه ليس كل الحقيقة التي يريد طرحها، حيث سأركز هنا على على ما يخص نتائج"عدم صرف العفريت" أو ايرادات النفط التي تعد المورد الرئيسي للجزء الأكبر من ميزانيات دول المنطقة.

واعتمادا على "حسابات" وبيانات ادارة معلومات الطاقة الأمريكية التي تستثني ايران يقارن تقرير المركز بين ايرادات النفط لدول "أوبك" التي بلغت 824 مليار دولار في 2013 انخفاضا إلى 730 مليار دولار مع بداية صرعة الهبوط في النصف الثاني من ذلك العام (انخفاض 11%).

ويتوالي التراجع بعنف هذه المرة إلى 280 مليار دولار في 2015 قبل أن ترتد مرتفعة إلى 515 مليار دولار في 2016 أى العام الحالي مع ارتداد أسعار النفط (ولنتذكر أن الأرقام المذكورة تستثني ايران).

وبتفصيل الأرقام للسعودية فإن ايراداتها من النفط تراجعت إلى 246 مليار دولار خلال عام 2014 من 278 مليار دولار في 2013 ثم 127 مليار دولار و97 مليار في 2015 و2016 على التوالي بفرض تحقيق 30% إلى 40% من ايرادات العامين السابقين، رغم أن أرقام التوقعات المذكورة تتجاوز تلك النسب.

وبغض النظر عن وجود بعض المبالغة في التقديرات، فإن تراجع الايرادات هي النتيجة المنطقية لتراجع الأسعار التي تحمل ضررا ومنفعة في آن، ضرر حاضر يتمثل في الضغط على الموازنة بخفض الانفاق 14% هذا العام وما يستتبعه من اصدار ديون، ومنفعة في لفت الانتباه إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.

حقيقة فإن المركز الأمريكي كان مناقضا لنفسه في الحسابات، فكيف تكون ايرادات "أوبك"المتفائلة عند 515 مليار دولار هذا العام، وتواصل في المقابل ايرادات السعودية التراجع رغم أنها المصدر الأكبر بين دولها؟؟

وبعيدا عن تفسيرات نظرية المؤامرة فإن الحقيقة الأكيدة أن تداعيات حضور "سيادة العفريت" قائمة فإيرادات النفط تراجعت وهذا هو وجه الخسارة الحاصلة فعلا.

فهل هناك استعداد لما هو قادم حتى لا تتكرر"فاجعة حضور العفريت" بتكرار التراجع الذي يتلاشى أثره المحفز بالتغيير وهيكلة الاقتصاد مع صعود الأسعار مجددا؟ أم سيظل هذا "الشبح العبثي" ومن ليس له ناقة ولا بعير يتربحون من تداعيات الأمر في كل مرة بلا مبرر أو داعي!!

في النهاية لست من عشاق جلد الذات ولا أحب ذلك، إنما تعلمت أن تكلفة مواجهة "المشاكل" في الوقت المناسب أقل كثيرا من تكلفة إهمالها أو تأخير معالجتها حين من الدهر.