اشتكى معهد البترول الأمريكي لشبكة "تويتر" قبل عدة أيام نشر العديد من الحسابات التي تعود لمضاربين في سوق النفط بيانات تخص تقرير المخزونات دون الحصول على اذن أو دفع اشتراك، فما كان من الشبكة إلا أن قامت بحذف تلك التغريدات.
ومعلوم لدى المتابعين أن معهد البترول الأمريكي يصدر تقريره الأسبوعي عن المخزونات يوم الثلاثاء بعد انتهاء التداولات الرسمية، أى قبل تقرير ادارة معلومات الطاقة الأمريكية بيوم واحد.
وتبدو الشكوى عادية ومنطقية لحماية الحقوق الخاصة بالمعهد، حيث يتطلب الاطلاع على تلك البيانات التفصيلية دفع اشتراكا شهريا يناهز 160 دولارا، لكن هناك اشارة واضحة إلى أهمية متابعة بيانات المخزونات.
ربما كانت بيانات المخزونات غير هامة "نسبيا" لدى البعض قبل يونيو 2014، لكنها صارت مهمة مع انهيار سعر برميل النفط.
ولهذه البيانات انعكاس -في هذه المرحلة تحديدا-على تحرك العقود الآجلة للنفط مع بلوغها مستويات قياسية متتالية كان آخرها في الأسبوع المنتهي في الرابع من مارس/آذار (521.8 مليون برميل دون الاحتياطي الاستراتيجي الذي باضافته ترتفع المخزونات فوق مليار برميل).
والمتابع لتطور حركة المخزونات الأمريكية يلاحظ وتيرة ارتفاعها مع بداية تراجع سعر النفط منتصف عام 2014 تقريبا، بينما جاء التسارع الحقيقي في الارتفاع بداية 2015 بتجاوز حاجز 400 مليون برميل لأول مرة بالتزامن مع زيادة الضغط على حركة الأسعار.
أى ان الولايات المتحدة تجني ثمار هذا التراجع في الأسعار بتخزين المزيد بعد تراجع السعر فهي فرصة لأى مستهلك يجد بضاعة رخيصة ومثلها تفعل الصين تقريبا، حيث قفزت مشترياتها نحو مستوى قياسي في فبراير/شباط.
وفي نوفمبر/تشرين الأول الماضي، أشارت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري إلى ان مخزونات النفط في الدول المتقدمة أى الأعلى استهلاكا بلغت 3 مليارات برميل، ولأن العالم استهلك 93.7 مليون برميل يوميا في 2015، فإن المليارات الثلاثة تعني امدادات تكفي العالم لأكثر من شهر.
وفي تأكيد لذلك أشار تقرير ادارة معلومات الطاقة الأمريكية الصادر الشهر الجاري أن مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من النفط الخام"34 دولة تشمل كبار المستهلكين عالميا عدا الصين" بلغت 3.045 مليار برميل منها 1.320 مليار برميل لأمريكا بما فيها الاحتياطي الاستراتيجي.
اذن ماذا تعني كل هذه الأرقام؟؟
ببساطة تعني أهمية متابعة المخزونات التي استفادت أيما استفادة من هبوط سعر برميل النفط، حيث أنها تساهم في تقليض فائض المعروض في السوق العالمي بشكل أو آخر، وخصوصا في الولايات المتحدة التي تستهلك حوالي 20 مليون برميل يوميا (أوروبا كلها تستهلك أقل من 14 مليون برميل يوميا..هل تخيلتم مدى تأثير أمريكا في ذلك السوق؟ الصين تستهلك حوالي 11 مليون برميل، واليابان حوالي 4.2 مليون).
ربما كان ارتفاع الدولار عاملا حاسما مع زيادة المعروض في التأثير على حركة السعر، كما تبدو الأسباب الظاهرية رغم قناعتي بتدخل السياسة بكل قواها الناعمة والغاشمة أيضا في التأثير بشكل أو آخر مع الهبوط الأخير، لكن تتبع حركة المخزونات "حاليا" ذا أهمية لا يمكن اغفالها، لأنه عند نقطة معينة ومع "تخمة" المخزون ستنفجر فقاعته لتؤثر سلبا وبوتيرة متساعة-وان كان لفترة محدودة لكن بقسوة- على حركة الأسعار.
ولأن "كوشينج" في أوكلاهوما تعد نقطة التسليم لعقود لخام غرب تكساس الوسيط "نايمكس" فإن الأنظار تترقبها دائما مع سعة تخزينية ضخمة تعادل 13% من قدرات التخزين الأمريكية أى حوالي 73 مليون برميل تقريبا.
و"كوشينج" مميزة بكونها مركزا لإلتقاء مجموعة كبيرة من أنابيب النفط التي يمكنها نقل الخام في كل أنحاء الولايات المتحدة ومنها الموانيء بالطبع، وهذا يعني امكانية نقله خارج البلاد خصوصا بعد رفع الحظر عن صادراته لأول مرة في أربعة عقود.
ولمعرفة أهمية تلك المنطقة وكذلك عقود خام نايمكس، فإن كمية العقود الآجلة التي جرى تداولها عليه في الأسبوع المنتهي في السادس والعشرين من فبراير/شباط الماضي بلغ 3.1 مليون، بالمقارنة مع 1.2 مليون فقط لخام برنت، ولأن كل عقد يحوي ألف برميل فهذا يعني تداول أكثر من 3 مليارات برميل في العقود الآجلة.
ومع نهاية الشهر الماضي كانت السعة التخزينية عند نقطة "كوشينج" 89% من سعتها، مع العلم أن معدلات التخزين بدأت في الزيادة الملحوظة مع رفع الحظر عن الصادرات الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول، والنقطة الهامة هنا أن سعة التخزين طالما كانت فوق 80% تقريبا أثرت سلبا على الأسعار.
ماذا عن المخزونات العائمة؟
يقلل بعض المحللين من أهمية هذا النوع من المخزونات، في الوقت الذي أطلقت فيه "بريتش بتروليم" مزحة تحمل من الجد أكثر من الهزل مع بلوغ الأسعار أدنى مستوياتها في 13 عاما قبل شهر: ستمتليء حمامات السباحة بالبترول مع امتلاء سفن تخزينه.
وقبل ثلاثة أسابيع كشفت بيانات "بلومبرغ" أنه منذ منتصف 2014 نمت معدلات التخزين العائم على المدى القصير بنسبة 33%، فيما توجد بين 20 إلى 25 من الناقلات العملاقةsupertankers من أصل حوالي 650 وحدة حول العالم تحمل نفطا مخزنا رغم ان نصفها أما تنتظر تفريغ الحمولة أو تبحث عن مشتري.
هذا النوع التضخم من السفن يمكنه حمل حوالي مليوني برميل من النفط، فهل تخيلنا مدى ضخامة المخزونات التي يمكن أن يكون عليها النفط العائم لهذا العدد فقط من السفن؟ وماذا اذا أضيفت إليه الأنواع الأقل حجما وسعة؟
ومن المعروف أن العدد الأكبر من النوع "السوبر" الذي امتلأ بالنفط المخزن بلغ 132 وحدة ابان الأزمة المالية 2009-2010 (قارن ذلك من 20 إلى 25 وحدة حاليا فقط)، حيث يطمع المضاربون في ارتفاع أسعار العقود الآجلة مستقبلا كي يحققوا أرباحا مع مستوى أعلى من contango (الفرق في سعر العقود الحالية وتوقعات العقود الآجلة مستقبلا).
لكن عليهم في المقابل دفع تكلفة تأجير هذه السفن التي تعتمد على عدة عوامل وقد تتجاوز دولارا واحدا للبرميل في الشهر، وان فضل البعض حاليا الأحجام المتوسطة لسهولة تحركها وانخفاض تكاليفها(نوعAframax سعتها حووالي 650 ألف برميل ، أما Suezmax فسعتها مليون برميل).
تفاؤل ببلوغ القاع السعري
يشكك الكثيرون في النبرة المتفائلة لوكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير-كون بياناتها مسيّسة لصالح كبار المستهلكين- ببلوغ الأسعار قاعها مع تراجع المعروض النفطي من خارج "أوبك" وأمريكا مع نمو الاستهلاك في النصف الثاني من 2016 (جرت العادة على التشكيك عند القيعان والقمم السعرية فيما يخالف اتجاه الأسعار).
وفي النهاية تبقى الإشارة إلى وجود تفاؤل لحركة أسعار النفط بإحتمالية تحقيق خام برنت 100% من قاعه عند 26 دولارا، لكن ترقب "تخمة" المخزون العالمي المستفيدة من تدني السعر هامة فربما تكون "الفقاعة" المنتظرة في أى وقت.
يعطيك العافيةعلى التقرير
شكرا للمرور والتعليق على المقال