الاقتصاد العالمي ومقومات الانتعاش

10/03/2016 0
عامر ذياب التميمي

تشير تقارير اقتصادية الى أن معدلات النمو الاقتصادي في البلدان الرئيسية في العالم ظلت منخفضة العام الماضي، ولن تتغير هذه السنة. التساؤل المهم الذي يؤرق الاقتصاديين ورجال الأعمال هو: متى سينتعش الاقتصاد العالمي؟

تظهر مؤشرات أن معدل النمو سيتحسن في شكل معتدل، وربما يصل إلى 3.5 في المئة بعدما كان 3.2 في المئة خلال العام الماضي.

ويتفاوت معدل النمو بين البلدان الأساسية، حيث يتوقع أن يبلغ 2.2 في الولايات المتحدة وواحداً في المئة في اليابان و 1.7 في منطقة اليورو و 2.7 في بريطانيا و 6.4 في الصين و 7.8 في الهند. وربما يصل إلى 1.5 في روسيا، وفي البرازيل 1.6 في المئة.

اي أن النمو في البلدان المتطورة سيكون بحدود 2 في المئة في حين سيصل إلى 4.9 في المئة في الاقتصادات الناشئة.

هناك تباين في التقويم بين المراقبين لأثر انخفاض أسعار النفط والمواد الأولية في تعافي الاقتصاد العالمي. ويرى بعضهم أن هذا الانخفاض سيساعد في تحسين كفاءة الإنتاج والسيطرة على التكاليف بما يعزز نمو الاستهلاك في البلدان الصناعية الرئيسية.

ولكن يرى آخرون أن قطاعات حيوية مثل النفط والغاز في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والمكسيك وروسيا، ستتأثر وتزيد من مشكلات نشاطات مثل التمويل والخدمات.

ما يطرح من تقويم لتراجع أداء الاقتصاد الصيني يستحق المتابعة. اذ تراجع خلال الشهور الماضية في شكل متسارع مع تدهور في أسعار الأصول المسعرة في سوق المال هناك ما أفزع المستثمرين ودفع إلى تراجع سعر اليوان.

واعتمدت الصين على تطوير اقتصاد قائم على التجارة الخارجية حيث عمدت الإدارة الاقتصادية إلى دعم نشاط التصدير، وقد بلغت قيمة الصادرات عام 2014 نحو 2.3 تريليون دولار في حين كانت الواردات 2 تريليون.

لكن معدل نمو الصادرات ظل يتراجع منذ العام 2010 حيث كان آنذاك 31.3 في المئة وانخفض إلى 6.1 في المئة عام 2014. وفي كانون الثاني (يناير) من العام الحالي سجلت الصادرات انخفاضاً بلغ 11.2 في المئة قياساً الى الشهر ذاته من عام 2015.

وتحاول الإدارة الاقتصادية أن تنجز إصلاحات اقتصادية بعدما مر البلد بفترة طويلة من التوسع الاقتصادي حيث كرست إمكانات مهمة في الصناعات التحويلية والقدرات التصديرية، وأصبح للصين شركاء أساسيون في التجارة الدولية مثل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وألمانيا وأستراليا، ناهيك عن بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا.

تهدف الإصلاحات إلى توسيع رقعة الاستهلاك المحلي وإنعاش اقتصادات المناطق النائية والبعيدة من الساحل بما يؤدي إلى خلق تنمية متوازنة يستفيد منها جميع المواطنين. ولا شك في أن الصين جنت أموالاً طائلة من تجارتها مع العالم خلال العقود الماضية وبذلك تمكنت من تحقيق احتياطات مالية بلغت 3.3 تريليون دولار وظّفت في أدوات استثمار متنوعة.

فهل تستطيع بكين أن تتكيف مع تحولاتها وتنتعش مجدداً، وعلى أسس مختلفة، بما يساهم في إنتعاش الاقتصاد العالمي؟

من جهة أخرى، توقع اقتصاديون أن يؤدي تراجع أسعار النفط والمواد الأولوية إلى ارتفاع الاستهلاك في البلدان المستوردة للنفط، خصوصاً البلدان الصناعية الرئيسية. بيد أن المؤشرات حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سنة على بداية التراجع في أسعار النفط، لا تفيد بارتفاع في مستويات الاستهلاك في البلدان المستوردة للنفط.

في مقابل ذلك شعرت البلدان المنتجة بالصدمة حيث تراجعت الأسعار في شكل دراماتيكي على مدى سنة ونصف السنة، ما دفعها، هي التي تعتمد على أدوات الإنفاق العام، إلى مراجعات للسياسات المالية للحد من التأثيرات غير المريحة لهذا التراجع وأهمها العجز في الموازنات الحكومية.

لذلك فإن الإنفاق الرأسمالي على المشاريع والمشتريات المتصلة بها قد انخفض وربما ينخفض العام الحالي بنسبة أكبر.

يضاف إلى ما سبق، أن صناعة النفط في البلدان المستهلكة، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها، ستتأثر بهذا الانخفاض الحاد في الأسعار ومن ثم يضعف حماسها للاستثمار، أو حتى تتوقف أعمال جارية بسبب تدني مستويات الجدوى الاقتصادية أو تعطل التمويلات المتاحة من البنوك والمؤسسات المالية، بما يعني توقف نشاطات مساندة وتزايد الاستغناء عن العاملين فيها.

منذ العام 2008، عام الأزمة المالية العالمية، حاولت البنوك المركزية أن تعتمد سياسات نقدية ميسرة لتمكين المؤسسات من الاقتراض ومواجهة التزامات التمويل.

وتم خفض سعر الخصم إلى مستويات متدنية جاورت الصفر. ويستمر بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي و«بنك إنكلترا» باتباع هذه السياسة النقدية حتى الآن، وكذلك العمل على توفير السيولة من خلال سياسات التيسير الكمي والتي تعتمد على شراء الأصول المالية من خلال السوق المالية. وقد اعتمد مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي تلك السياسات النقدية وأبدع فيها.

لكن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الأميركي والمخاوف المبالغ فيها من أخطار التضخم دفعته إلى رفع سعر الخصم في منتصف كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي. ويبدو أن أسواق المال لم تكن متعاطفة مع ذلك القرار بما أدى إلى تراجع حاد فيها.

هناك هاجس لدى كثيرين من المستثمرين في شأن احتمالات رفع آخر لسعر الخصم في الولايات المتحدة وأنعكاساته على مناخ الاستثمار وحيوية الاقتصاد الأميركي. ربما تقرر لجنة السياسات في مجلس الاحتياط تأجيل أي تعديل في سعر الخصم خلال هذا العام حتى تتضح أوضاع الاقتصاد الأميركي ومعالم النمو في الاقتصاد العالمي.

كذلك فإن إمكانات تغيير السياسات النقدية في بلدان منطقة اليورو أو اليابان تبدو بعيدة في ظل استمرار الركود أو النمو المتواضع. ويتوقع ان تنعكس هذه الأوضاع تعافياً متأرجحاً على الاقتصاد العالمي.

نقلا عن الحياة