"أراجوز" النفط

26/02/2016 1
خالد أبو شادي

هناك مؤثرات أساسية تلقي بظلالها على تحرك أسعار النفط على رأسها المعروض من "أوبك"  وهذا واضح تأثيره دون الحاجة إلى تفصيل، وكذلك الطلب من كبرى الاقتصادات العالمية، المضاربات من قبل صناديق التحوط  والبنوك الكبرى وصناديق الاستثمار.
  
والأخيرة هذه صارت محل تساؤل مع تزايد عدد المشاركين في السوق، والمضاربين ليس بغية التحوط ضد الانخفاض أو الارتفاع بحكم النشاط،  بل بحكم المتاجرة ذاتها والاستفادة بأقصى ما يمكن من تذبذب الأسعار عن طريق عقود الخيارات وغيرها.
  
أيضا هناك عوامل أخرى تشمل تحرك الدولار، الذي يعني ارتفاعه تأثيرا سلبيا على كافة السلع ومنها النفط والعكس صحيح، والاضطرابات الجيوسياسية التي تحيط تحديدا بمناطق كبار المنتجين ومنافذ المرور مثل قناة السويس ومضيق هرمز، وإن صارهذا العامل بات محل شك مع تراجع الأسعار رغم ما شهدته ليبيا، سوريا، وكذلك اليمن.
  
وأخيرا السياسة التي لا تحتاج إلى بيان أو توضيح رغم تشكيك البعض في ذلك والتأكيد على أن السوق هو من يحدد وقوى العرض والطلب هي التي تقرز وتقرر إلى أى اتجاه تميل كفة الأسعار.
  
وان جاز لي فإن هناك مؤثر لا يقل أهمية اسمه الأراجوز او القراقوز، الذي تتجاوز مهمته في ثقافتنا اضفاء البسمة على الوجوه بالسخرية والتندر من المواقف اجتماعية كانت أو سياسية.
  
هذا الأرجواز المؤثر في السوق تقوم ايران بدوره حاليا، ودون اجهاد أو اجتهاد فإن محركه خلف الكواليس أمريكا التي لا تريد استفادة حقيقية للمنطقة من تجمع قواها الكبرى وتعمد إلى زيادة الانشقاقات بينها، وهذه القوى معروفة "السعودية، تركيا، وايران".
  
هذا المثلث من الصعب تلاقي أضلاعه في اتفاق مع تغذية الخلافات السياسية، والمذهبية حتى تتسع هوة الاختلاف وتزداد بإضطراد دون توقف، ولا مانع من احماء تصارع هذه القوى لإضعافها ذاتياً لصالح الكيان الصهيوني في النهاية.
  
والاراجوز يفقد تأثيره وحضوره على مسرحه أمام جمهوره اذا تركته يد محركه خلف الستار وتوقفت عن التلويح به يمينا ويسارا، فلا أصوات ضحك تتعالي أو صيحات اعجاب تتصاعد.
  
وهذا ما حدث لإيران في فترة العقوبات، كانت بلا تأثير حقيقي على الساحة السياسية في المنطقة رغم حضورها وتأثيرها في لبنان وقبلها سوريا، حتى مشاغبتها في اجتماعات "أوبك" كانت بلا معنى كونها مكتوفة الأيدى في النهاية.
  
لكن إلى أى مدى يمكن لهذا الأراجوز اضحاك المشاهدين؟؟  وهل هناك مبالغة بالنسبة لإيران التي تصر على ارباك المشهد دائما والميل إلى المبالغة والتضخيم؟.
  
قبل انتهاء العام الماضي توقعت شركة "ابيكورب" ان تضيف طهران 400 ألف برميل فقط لإنتاجها مع نهاية العام الحالي، مع زيادة بحوالي 300 ألف برميل في 2017.
  
هذا يعني ان طاقتها الانتاجية ستبلغ 3.5 مليون برميل والصادرات إلى مليوني برميل نهاية العام القادم.
  
نفس التوقعات أو قريبة منها أصدرتها شركة الاستشارات النرويجية "Rystad" قبل أيام، حيث ترى أن الانتاج سيبلغ 3.4 مليون برميل في 2017، وأن الارتفاع الذي سيليه في السنوات التالية سيكون هامشيا وغير مؤثر بقية هذا العقد حتى منتصف العقد القادم.
  
والعقبات التي تقف في طريق الأراجوز الايراني فنية هذه المرة وليست سياسية، أى أن الأمر لا يتعلق بإطلاق تصريحات جوفاء أو تهديدات تتناثر في الهواء، بل بما يحدث على أرض الواقع وضعف البنية التحتية للحقول النفطية.
  
وترميم هذه الحقول يحتاج لسنوات واستثمارات ضخمة، في الوقت الذي تسعى فيه وزارة النفط بتفاؤل إلى جذب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار لإحياء بنيتها المتقادمة.
  
 لكن ما يجب لفت الإنتباه له أن الأراجوز تمكن من تحييد –وهذا هو التعبير الأقل حدة- دور العراق في "أوبك" أو السيطرة عليه وضمه لعائلته على المسرح في محاولة ناجحة بعد نمو التغلغل الشيعي في بلاد الرافدين.
  
وربما سرقت وتسرق ايران النفط من حقل "الفكة" في ميسان العراقية، فيما تحدثت تقارير عن اتمام ذلك بموافقة "نوري المالكي" وتحت سمع وبصر الحكومة الحالية.
  
والسرقة لا تتوقف على ايران بل هناك عدو آخر يسرق عيانا بيانا من هذا النفط ويتقوى به اسمه "داعش"، وبغض النظر عن قيمة ما يجنيه يظل استنزافا لخيرات بلد شرذمته الحرب.
 
تبقى الاشارة في النهاية إلى أن الأراجوز لن تعييه الحيل لإضحاك مشاهديه أو نيل رضا صاحبه سواء بمفرده او بإرغام آخرين ليواصل أداء دوره طالما ظلت هناك حاجة لذلك، ولا شك أنها ستظل مع رغبة أمريكا في ترك مسمارا لـ "جحا" بالمنطقة.