تلقيت رسالة قَيّمة من مهندس بترول متمرس، نَفَسهُ في الوطنية والحرص على موارد البلاد لا يُجارى، جمعتني به لقاءات وحوارات، عندما ألتقيه أُحبُ أن أصغي له، فحديثه يجعلني أزهد في الكلام.
أترككم مع نص رسالة المهندس عثمان الخويطر بارك الله في حياته:
قرأت مقالك يوم الثلاثاء حول النفط الصخريّ وإنتاج أمريكا واحتمال دخول الصين، أتمنى أن تقرأ الفقرات التالية بتمعن وأن تحملني فقد يكون الحديث طويلا:
الصخري الأمريكي، كثُر أو قل، لا يختلف عن البترول الصخري الروسي والصيني والكندي، روسيا كانت قد رفعت إنتاجها قبل سنوات من البترول التقليدي من 6 ملايين إلى أعلى من عشرة، ولم يتحدث الإعلام عن الموضوع، وكندا تنتج مليونين من الرملي ولم تتحدث عنها الدعاية الأمريكية.
مهما قالوا عن الصخري فهو حالة خاصة. قليل الانتاج ومرتفع التكلفة. معدل انتاج البئر على مدى عمرها القصير لا يتعدى 200 برميل أو أقل في اليوم.
آبارنا تنتج الواحدة خمسة آلاف برميل، وجميع آبار الصخري، في أمريكا وفي كندا وفي الصين تفقد 70% من إنتاجها خلال السنة الأولى، وتكلفة انتاج الصخري في امريكا من 50 إلى 80 دولارا للبرميل، وهناك نسبة قليلة دون الخمسين وأعلى من الثمانين دولارا للبرميل، ويوجد مناطق محدودة يسمونها (sweet spots) هذه تعطي انتاجا أكبر.
لماذا لم ينخفض الانتاج بعد نزول السعر؟
عوامل كثيرة، في أواخر عام 2014 كان لديهم بضعة آلاف بئر محفورة، ولم توضع في الانتاج.
بدأت الحفارات تتوقف في ذلك الوقت، ويرتفع الانتاج لأنهم بدأوا يضيفون الآبار الجديدة بعد عملية التكسير الهيدروليكي الذي يفتح مسام الصخور. واستمر في الارتفاع أشهر طويلة، فانبهر العالم؛ كيف يرتفع الانتاج والحفارات تتهاوى؟!
وبعد أشهر طويلة بدأ انخفاض الانتاج وهو مستمر الآن. توقف ثلثا الحفارات ولا يزال الثلث الباقي يعمل. ولكن في المناطق الجيدة "سويت سبوتز".
وتحت هذا الوضع انخفض إيجار المعدات ورواتب اليد العاملة مع تحسينات بسيطة في الأداء، فنزلت التكلفة في بعض المناطق إلى ما دون 40 دولارا للبرميل.
(لا سحر ولا تكنولوجيا ولا كلام فارغ)، هم الآن لا يكسبون، وأمريكا لم تتحول إلى مُصدِّر (للخام)، هي أصلا كانت ولا تزال تُصدر المنتجات، وترخيص التصدير الأخير مجرد لعبة سياسية وجبر خواطر للشركات الخسرانة، وليس القصد من التصدير المنافسة.
صحيح، قفز الانتاج الصخري إلى أكثر من 4 ملايين برميل، هل كان هذا بدون مجهود غير عادي؟ أبداً، أمريكا شغلت 1500 حفار، معظمها كان تحت التخزين، إضافة لجيش من معدات الضخ والنقل لا يوجد له مثيل في أي مكان في العالم.
ناهيك عن مئات الألوف من العمالة الجاهزة المدربة، هذه الامكانات لا توجد لا في الصين ولا في أوروبا ولا استراليا، ثم إن آبار أمريكا مُتيسر حفرها إذا ما قورنت بالآبار في الصين وأوروبا واستراليا.
الأمريكان حفروا مليونا ونصف المليون بئر في أمريكا، ويعرفون الأرض شبرا شبرا، والذي يستغرق حفره 15 يوما في أمريكا يأخذ 30 يوماً خارج أمريكا، كما أن الحفار الذي يكلف 1000 دولار هناك، يكلف خارج أمريكا ما يقارب الضعف. ولذلك، إذا أضفنا تكلفة الحفر والحفارات والأيدي العاملة نجد أنه من المستحيل إنتاج الصخري خارج أمريكا بأقل من 130 دولارا للبرميل.
فكيف تتوقع أن تنتج الصين عند أسعار قريبة من 100 دولار؟
ومن أين للصين أو غيرها 1500 حفار؟
حتى عندما ترتفع الأسعار فإن الإنتاج الصيني والروسي والاسترالي لن يتعدى مئات الألوف من البراميل يوميا.
ومن ناحية ثانية، فإن الانتاج الأمريكي من الصخري، حسب توقعات الأمريكان أنفسهم، سوف يصل الذروة خلال بضع سنوات.
ولذا، فمهما تحدثوا عن احتياطي الصخري عالميًّا فمن شبه المستحيل معرفة كمياته لسبب بسيط وهو طبيعة الصخور الحاملة له، أي عوامل جيولوجية.
عكس حقول البترول التقليدي التي من الممكن تحديد حدودها.يتواجد الصخري داخل مسام صخرية مقفلة.
ويحتاج إلى عملية خاصة تكسر الصخور وتفتح طرقا بين المسام لتسمح للسائل بالجريان باتجاه البئر.
عملية التكسير عبارة عن ضخ كميات هائلة من الماء مع رمل ومواد كيماوية تحت ضغط كبير جدا يصل إلى 15000 وحدة ضغط. ومع ذلك فهذه العملية لا تؤثر إلا على مساحة صغيرة حول البئر.
وعادة تكون الشقوق القريبة من البئر الأكبر، وعندما يبدأ الإنتاج، يندفع البترول أو الغاز بقوة كبيرة ويتناقص الانتاج بسرعة أيضا.
وهذا سبب نزول الانتاج بنسبة 70% خلال 12 شهرا. ويستمر انخفاض الانتاج ويصبح غير اقتصادي بعد بضع سنوات. آبارنا يستمر انتاجها 30 سنة.
ربما أنك تسمع عن البترول التقليدي مثل بترولنا، أما غير التقليدي فهو المكلف وقليل الانتاج، 90% من الانتاج العالمي اليوم من التقليدي الرخيص.
وما بقي منه إلا ترليون برميل، وصل إلى مرحلة ترتفع خلالها التكلفة ويقل الانتاج، وعندما يفقد الإنتاج العالمي عشرين مليونا من الرخيص قبل نهاية العقدين المقبلين، سوف يكون من المستحيل تعويض ذلك من غير التقليدي - أي من الصخري وغيره.
وربما يصل العالم لإضافة عشرة ملايين فقط كتعويض للنقص، وهذا مشروط بارتفاع الاسعار إلى ما يقارب 150 دولارا للبرميل.
وهو ما يعني حدوث نقص في الامدادات البترولية، ونأمل أن يكون العالم بعد عقدين قد تقدم كثيرا باستخدام الطاقة المتجددة كرافد للبترول.
نقلا عن اليوم
حاجة بالنسبة لي محيرة جداً : البترول هو سلعتنا -شبه الوحيدة- والبلد كله تأثر بسبب ذلك، بل المنطقة كاملة ، وكل متعلمينا ومثقفينا وجامعاتنا وشركاتنا الكبرى ، لم تصل لمعلومات واضحة ، وأرقام دقيقة ، ودراسات علمية قوية موثقة بخصوص هذا الموضوع . كل ما هنالك تقارير إعلامية وكتابات اجتهادية من كتاب متفرقي التخصصات ، ويجمعهم الحب والغيرة على هذا البلد . بل لا أبالغ لو جعلنا جهاز استخباراتي متخصص عن البترول ودراساته وشركاته وتقنياته وكل مايتعلق به لم يكن قليلا عليه ، فهو بالنسبة لنا كل شيء .
هناك مركز الملك عبدالله لابحاث البترول والذي سيرى النوو قريبا في الرياض