قد يكون قانون التخصيص الذي صدر عام 2010 ولم يُطبَّق على أي مؤسسة أو مرفق عام مملوك من الدولة أكثر القوانين جموداً في الكويت.
أقر القانون الذي يحمل الرقم 37/2010 لتخصيص المؤسسات والمرافق والنشاطات المملوكة والمدارة من الدولة ماعدا نشاطات إنتاج النفط والغاز الطبيعي ومصافي النفط ومرفقي التعليم والصحة.
وجاء القانون بعد مداولات مطولة في مجلس الأمة وأروقة مجلس الوزراء وبعد دراسات عديدة أجراها مستشارون محليون وأجانب.
في 1996، كلفت اللجنة المالية في مجلس الأمة فريقاً لإعداد دراسة حول «إيجابيات وسلبيات ومعوقات نقل النشاطات والخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص والتصورات حول التشريعات اللازمة لذلك».
وتشكل الفريق من أعضاء يمثلون جهات كثيرة مثل جامعة الكويت ومعهد الكويت للبحوث العلمية ومجلس الأمة، ومنهم خبراء في الاقتصاد والقانون.
وأصدر الفريق تقريراً مفصلاً عن متطلبات التخصيص وأورد الإيجابيات والسلبيات، وإن غلبت الإيجابيات، كما بيّن المعوقات المحتملة وإمكانيات مقاومة البيروقراطية.
وجاء التقرير بعدما درس الفريق تجارب عديدة أهمها تجربتي ماليزيا ونيوزيلندا، وفي نهاية التقرير أقترح الفريق مشروع قانون للتخصيص، وهو الذي جرت مناقشته ودراسته وتداوله سنوات حتى صدر بصيغة القانون المشار إليه أعلاه. لكن حتى يومنا هذا لم تُنجَز عمليات لتخصيص المرافق والمنشآت الحكومية، والتي ورد ذكرها في التقرير ومنها مرافق الكهرباء والماء والاتصالات الأرضية ونشاطات ذات صلة بالبنية التحتية.
من أهم الأمثلة التي تؤكد صعوبة التخصيص في الكويت ما حدث في شأن تخصيص «الخطوط الجوية الكويتية». في 1993 قدّم البنك الدولي دراسة مفصلة في شأن الشركة وأورد المشاكل والمصاعب التي تواجهها وقرر أهمية نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص. ومعلوم ان «الخطوط الجوية الكويتية» تأسست عام 1953 بمبادرة وملكية كاملة من القطاع الخاص ثم مرت بمراحل حتى تملكتها الحكومة بالكامل عام 1956.
وظلت «الكويتية» تعاني المشاكل التي تواجهها شركات النقل الجوي وسجلت خسائر سنوية تراكمت وتحملت الدولة تعويضها.
وعام 2008، وعلى ضوء دراسات البنك الدولي ودراسات أخرى، صدر قانون تخصيص «الكويتية» وحدد إجراءات نقل الملكية والمدى الزمني اللازم لذلك.
لكن حتى 2012 لم تُتَّخذ أي إجراءات تذكر لعملية التخصيص وصدر قانون آخر عطل القانون الصادر في 2008. لكن في كانون الثاني (يناير) 2014 صدر قانون واضح للتخصيص وهو القانون 23/2014 والذي عدل بمقتضاه القانون الصادر عام 2008 والآخر الصادر في 2012.
ونص القانون الجديد على طرح بالمزاد لنسبة 35 في المئة من ملكية المؤسسة على الشركات المساهمة والمدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية والشركات الأجنبية والمتخصصة، وعلى تخصيص خمسة في المئة من الأسهم للموظفين الحاليين والقدامى في المؤسسة.
وألزم القانون الدولة تحديث أسطول المؤسسة قبل نقل الملكية، لكن في شباط (فبراير) الجاري جرى التوافق بين اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة والحكومة ممثلة بوزير المواصلات على تعديل القانون بما يمنح الحكومة ملكية 75 في المئة من أسهم الشركة العتيدة التي ستحل محل مؤسسة الخطوط الجوية الوطنية الكويتية وبذلك أصبح مشروع التخصيص في حكم التاريخ.
هل ثمة قناعة سياسية في الكويت بضرورة التخصيص؟
لا شك في ان العديد من المختصين الاقتصاديين والمسؤولين الحكوميين، الحاليين والسابقين، ورجال الأعمال مقتنعون بضرورة تحويل ملكية العديد من المؤسسات إلى القطاع الخاص من أجل خلق بيئة أعمال أكثر جدارة وتخفيف الأعباء على الخزينة العامة وتمكين آليات السوق من الحكم على جدوى مختلف النشاطات بعد وقف الدعم الحكومي غير المشروط.
بيد ان من أهم المعطلات هو هيمنة فلسفة الريع التي تكرست على مدى عقود طويلة منذ بداية عصر النفط، خصوصاً بعد الصدمة النفطية الأولى في 1974، التي أوجدت مناخاً معادياً لدور القطاع الخاص ودفع إلى تعزيز دور للدولة بما لا يتوافق مع المفاهيم الاقتصادية المعاصرة المتمثلة بحصر دور الدولة بالتشريع والتنظيم والرقابة وحماية الأموال العامة والخاصة وحقوق العاملين.
الآن، وبعد تراجع أسعار النفط إلى مستويات متدنية، لم تكن بالحسبان قبل وقت قصير، تحاول الحكومة تمرير سياسات مالية تــــؤدي إلى ترشيد الإنفاق وتخفيض مخصصات الموازنة العامة للدولـــة.
قـد تكون هناك إمكانات لتعديل السياسات المالية بما يـــؤدي إلـــى خفـــض الإنفاق من خلال مراجعات لفلسفة الدعم ورفع تكاليف خدمات المرافق العامة مثل الكهرباء والمياه والخدمات على المستهلكين والمواطنين، لكن هل ستكون التعديلات على السياسات المالية كافية لمعالجة الاختلالات في الاقتصاد الوطني؟
قد يمنح تراجع الإيرادات النفطية فرصة للحكومة لإصلاح هيكل الاقتصاد الوطني والشروع بتنفيذ قانون التخصيص ودفع القطاع الخاص إلى أداء دور حيوي وتوظيف أمواله في نشاطات أكثر أهمية وحيوية من النشاطات التي ظل يملكها ويديرها منذ بداية عصر النفط.
لكن التخصيص يلقي تبعات مهمة على القطاع الخاص من أهمها تولي مسؤولية توظيف المواطنين في منشآته وتحمل الأعباء الاجتماعية، وربما الارتقاء بالمسؤولية الاجتماعية لمؤسساته.
كذلك فالتخصيص يعني الانفتاح على الاستثمار الأجنبي والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والإدارة الكفوءة، ويستلزم التخصيص رفع كفاءة النظام التعليمي بما يقدم يداً عاملة وطنية مؤهلة للعمل في بيئة اقتصادية تخضع لمعايير التنافسية وحسن الأداء، ويظل السؤال الصعب:
هل أصبحت الكويت مؤهلة لاستحقاقات التخصيص؟
نقلا عن الحياة