عادت أسعار الذهب إلى الارتفاع بقوة خلال الأسبوعين الماضيين، فقد وصل سعر الأونصة إلى 1238,5 دولار، بعد أن كان قد انخفض في الأسابيع السابقة دون 1100 دولار للأونصة.
وقد جاء هذا الارتفاع على خلفية اشتداد التوترات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط مع انغماس الدول العظمى فيها بشكل متزايد، وخاصة منذ تورط روسيا في مستنقع الحرب الدائرة في سوريا، وإعلان السعودية أنها تبحث عن تحالف دولي للقتال براً ضد تنظيم الدولة.
وإلى جانب ذلك فإن الأوضاع الاقتصادية العالمية التي كانت تقترب من الخروج من النفق المظلم قد بدا عليها الوهن مجدداً، وتمثل ذلك في تخلي بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي عن تنفيذ زيادات جديدة على معدلات الفائدة على الدولار في مارس القادم، رغم أن معدل البطالة قد انخفض إلى أدنى مستوى له في 8 سنوات أي إلى 4,9.
المعروف أن سعر فائدة البنك قد ارتفع إلى نصف بالمائة، بعد أن ظل قريبا من الصفر منذ بداية عام 2008.
وفي المقابل فإن بنك اليابان المركزي قد أقر مؤخراً مبدأ الفائدة السلبية على الودائع لديه في محاولة لإخراج الاقتصاد الياباني من مرحلة انكماش الأسعار.
ومن جهة أخرى فإن أسعار الذهب تتحرك بشكل عكسي مع تطور سعر صرف الدولار الأمريكي. وقد ارتفع سعر صرف الدولار بقوة في عام 2015، بحيث وصل إلى 1,05 دولار لكل يورو، وإلى 123 ين لكل دولار، كما أنه ارتفع بشكل ملحوظ أمام اليوان الصيني بقرارات من البنك المركزي الصيني.
وقد بدا أن هذه الارتفاعات في سعر صرف الدولار لم تعد قابلة للاستمرار لما في ذلك من انعكاس سلبي على تنافسية الصادرات الأمريكية في الأسواق العالمية.
ولذلك حدث تراجع في سعر صرف الدولار في الأسبوعين الماضيين إلى 113 ين وإلى 1,13 دولار لكل يورو.
وعندما ينخفض سعر صرف الدولار يفقد ميزته الأساسية كملاذ آمن، ويعود الاهتمام مجدداً بالمعدن الأصفر الذي كان قد وصل مع نهاية عام 2015 إلى أدنى مستوى له منذ ما بعد الأزمة المالية العالمية.
ومن جهة أخرى نجد أن الانخفاض الشديد الذي طرأ على أسعار النفط والذي هبط به دون 30 دولاراً للبرميل لنفط برنت وإلى 25 دولاراً لمتوسط نفط الأوبك، هذا الانخفاض يعمل على تعميق أزمة انكماش الأسعار في الدول الصناعية وخاصة في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة.
ولهذا وجدنا بعض الدول تعتمد سياسة الفائدة السلبية، ووجدنا بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي يعيد النظر في برنامجه لرفع سعر الفائدة على الدولار في عام 2016.
وإذن فالظروف التي ضغطت على سعر الذهب باتجاه الانخفاض عندما تجاوز مستوى 1900 دولار للأونصة قبل أربع سنوات، قد تغيرت وتبدلت بعدما وصل سعره إلى 1045 دولارا للأونصة في الربع الأخير من عام 2015.
وقد أظهر سعر المعدن الأصفر تماسكاً عند ذاك المستوى، وظل يتحرك ضمن هامش يصل به إلى مستوى 1100 دولار قبل أن ينخفض مجدداً.
إلا أن التطورات المستجدة التي أشرت إليها أعلاه قد وفرت للذهب عوامل جذب إضافية أقنعت المستثمرين بالعودة إليه بقوة، بحيث ارتفع على مدى الأسبوعين الأخيرين فقط بنحو 135 دولارا للأونصة.
وبوصوله إلى مستوى 1238,5 دولار للأونصة فإنه يصبح مؤهلاً للارتفاع مجدداً في الأسابيع القادمة، ربما إلى 1500 دولار، وخاصة إذا ما تفاقمت الأوضاع سوءاً في سوريا والعراق، أو إذا ما وجدت تركيا نفسها منغمسة في الصراع الدائر هناك.
الغريب أن أسعار الذهب تعود للارتفاع في وقت تنخفض فيه أسعار النفط إلى مستوياتها التي كانت عليها قبل عام 2004. وكان ارتفاع أسعار النفط في الماضي، وما ترتب عليه من فوائض مالية كبيرة، مصدراً مهما لتوظيف جانب منها في مشتريات الذهب، الأمر الذي كان يساهم في دفع أسعاره للارتفاع.
لكن الارتفاع يحدث الآن بينما أسعار النفط منخفضة، ما يمكن تفسيره بحالة القلق من الوضع المضطرب وغير المستقر في العالم، وأن هناك بالتالي احتمالات بحدوث مزيد من الاضطراب والتعقيدات في الموقف الراهن الذي خلق موجات متتالية من الهجرات من مناطق القتال إلى أوروبا وتركيا، وهو ما لم تعد هذه الدول قادرة على تحمله.
كما أنه يمكن تفسير الارتفاع في سعر الذهب بأنه نتيجة لفقدان البنوك المركزية في الدول الصناعية القدرة على التحكم في أوضاعها الاقتصادية بعد أن استنفدت في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية كل الأدوات المتاحة لديها.
نقلا عن بوابة الشرق