تقلبات السوق تكشف نفوذ البنوك المركزية وحدودها

08/02/2016 0
محمد عبد الله العريان

قدم الأسبوع الماضي المزيد من الأمثلة على تأثير البنوك المركزية على أسعار الأصول المالية، وعلى الطريقة التي تعمل فيها على تعديل ارتباطات فئات الأصول التاريخية وفي الوقت نفسه الإسهام في انتقال العدوى.

لكن الأمر الذي لم يصبح أكثر وضوحا في الأسبوع الماضي كان الأثر طويل الأمد لهذا التحرك. ولسبب وجيه: أن البنوك المركزية تخسر الآن وبشكل متزايد سيطرتها على مصيرها وإرثها هي نفسها.

دعونا نبدأ بالاحتياطي الفيدرالي.

كان الإجماع في الآراء في السوق ينطوي على أن بيان البنك المركزي الأمريكي الأخير كان مسالما بشكل غير كافٍ. حيث اعترف البنك بضعف الأوضاع الاقتصادية العالمية، لكنه امتنع عن إعطاء تلميحات قوية بأنه مستعد لوقف حملته في التشديد ورفع أسعار الفائدة، ناهيك عن الانخراط في جولة أخرى من التحفيز (كما كان قد أشار البنك المركزي الأوروبي قبل ذلك بأسبوع). مع ذلك، ومن المثير للدهشة، كشف البنك عن انعدام في الثقة حيال آفاق الاقتصاد الأمريكي، لا سيما عن طريق إهمال تقديم التوجيه بخصوص التوازن في المخاطر التي تواجه الاقتصاد.

كانت النتيجة تقلبا نحو الجانب السلبي في مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 300 نقطة. وكانت عمليات البيع عشوائية تماما، ما يشكل ضغطا على الشركات التي تعرض متانة مالية متفاوتة على نطاق واسع وانكشاف أمام إدارة السيولة في البنك المركزي.

يوم الجمعة، اتخذ بنك اليابان طريقا مخالفا، وكان الأثر المعاكس على الأسواق ملحوظا أيضا.

فاجأ مسؤولو البنك المركزي في طوكيو الأسواق باتباعهم نموذج البنك المركزي الأوروبي واتخاذ سياسة أسعار الفائدة السلبية. علاوة على ذلك، ترافق هذا الإجراء مع حقنات كبيرة من السيولة من قبل بنك الشعب الصيني.

اتخذ متداولو الأسهم ذلك دليلا على أن البنوك المركزية العالمية مستعدة لتجربة المزيد من تدابير التحفيز. ارتفعت أسواق الأسهم العالمية، حيث بلغت ذروتها في مكسب بلغ 397 نقطة لمؤشر داو جونز (بنسبة 2.5 بالمائة).

من الجدير بالذكر أيضا أن أسواق الأسهم المرتفعة في الفترة الأخيرة لم تكن مقترنة بعمليات بيع السندات الحكومية، التي عادة ما تعتبر كملاذ. بل على العكس من ذلك، اكتسبت كل من السندات الحكومية الألمانية وسندات وزارة الخزانة الأمريكية أسعارا أفضل، ما قلل من عائدات السندات لأجل عشر سنوات إلى 1.92 بالمائة و0.33 بالمائة على التوالي.

ينبغي أن يلغي هذا الدليل الإضافي أي شكوك تتعلق بقدرة البنوك المركزية على التأثير في الأسهم على المدى القصير، وتعديل ارتباطات فئات الأصول التاريخية، ودعم انتقال العدوى داخلها. من خلال السيطرة على حقنات السيولة والتأثير على معدل عوائد السندات الحكومية «الآمنة»، لا يزال بإمكان تلك المؤسسات النقدية التأثير في الروح المعنوية، والرغبة في المجازفة، وتدفق رأس المال داخل (وخارج) الأصول الخطرة.

السؤال المفتوح، الذي يعتبر حاسما لرفاه وجود الأجيال الحالية وأجيال المستقبل، لا يرتبط بالعواقب المالية الفورية بل، بدلا من ذلك، يرتبط بالآثار الأطول أجلا: بالتحديد، ما إذا كان بإمكان سياسات البنوك المركزية غير التقليدية تقديم المنفعة للاقتصاد بشكل دائم، وما إذا كان بإمكانها فعل ذلك بطريقة تحد من الأضرار الجانبية والآثار المالية المترتبة غير المقصودة للإفراط في الاعتماد المطول على السياسات الجزئية والتجريبية. يكتسب هذا السؤال أهمية مضافة الآن من حيث ان البنوك المركزية الهامة نظاميا تتخذ الآن مسارات متباعدة (على الأقل في الوقت الراهن).

لا يزال الدليل القاطع غير موجود، لكن المؤشرات الجزئية - بما في ذلك بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأمريكية الراكدة للفصل الرابع والتي صدرت الأسبوع الماضي- تشير إلى أنه، في أفضل الأحوال، يمكن لسياسة البنك المركزي فقط الحفاظ على النمو الاقتصادي فاعلا في مستوى منخفض جدا ومثير للإحباط، وأقل بكثير من إمكانيات الاقتصاد. وهذا يتسق مع اعتقادي بأنه - رغم التزامها الواضح وعنايتها الرائعة وجهودها الاستثنائية - إلا أن البنوك المركزية حول العالم ليست لديها ببساطة الأدوات الصحيحة المناسبة لمهمة إطلاق العنان لمحركات النمو، والتعامل مع اختلالات الطلب الكلية، وإزالة أعباء الديون المتزايدة، وتحسين تنسيق السياسات العالمية.

إلى أن يحدث ذلك التغيير، سيكون تأثير البنوك المركزية على الرفاهية الاقتصادية الأطول أجلا ليس سوى نسبة ضئيلة من تأثيرها قصير الأجل على الأسواق المالية. وستكون النتيجة انفصال أسعار الأصول عن الأساسيات الاقتصادية، وبأسلوب متقلب على نحو متزايد. أما الهندسة المالية وسياسات انتشار استخدام النقدية في الشركات، وليس استخدام من إيرادات/تكاليف الحسابات التجارية، فسوف تبقى عاملا هاما لحظوظ الشركات من الأسهم على المدى القصير. وينبغي علينا توقع المزيد من التقلبات المالية أكثر من المعتاد، مع تقلبات كبيرة جدا (صعودا وهبوطا) تكون مرتبطة بشكل بعيد فقط بالتغيرات في الأساسيات.

نقلا عن اليوم