هل تبدأ روسيا التنسيق مع أوبك؟

31/01/2016 2
د. سليمان الخطاف

«نعتقد أنه من المناسب بدء المحادثات والمناقشات في شهر فبراير مع أوبك بشأن الوضع الحالي لأسعار النفط، لقد اعتدنا على مثل هذه المحادثات مع أوبك عندما تكون الأوضاع غير مريحة» هذا ما صرح به مؤخراً وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، وعلى إثرها بدأت أسعار النفط العالمية بالارتفاع.

ولم تعلن أوبك من جانبها حتى الآن عن انعقاد أيّ اجتماع غير عادي في شهر فبراير، مع العلم أن أوبك تجتمع مرتين في العام في شهري يونيو وديسمبر.

يبدو أن الألم الذي أصاب جميع المنتجين وخاصة روسيا جراء انخفاض أسعار النفط إلى حوالي 27 دولارا للبرميل لم يعد يحتمل.

ولقد تم في الاجتماع السابق بين دول أوبك وخارج المنظمة اقتراح تخفيض 5% لكل دولة حتى يكون التخفيض من الجميع من أجل دعم أسعار النفط. ويتساءل حالياً الروس لو اجتمعنا مع دول أوبك هل مازال مقترح خفض 5% قائماً ؟.

طبعاً تخفيض 5% من جميع الدول المصدرة للنفط يعني سحب حوالي 2 مليون برميل باليوم من الفائض النفطي من الأسواق.

والجدير بالذكر أن رئيس أكبر الشركات الروسية المنتجة للنفط «روز نفط» ايجور سايخن والصديق المقرب من بوتين كان يرفض فكرة خفض روسيا لانتاجها بحجة طقس روسيا البارد وأن الشركات الخاصة العاملة في القطاع النفطي غير خاضعة لإرادة الحكومة الروسية على عكس دول أوبك. وهذا يقودنا للسؤال الأهم:

هل روسيا جادة في خفض الانتاج أم أن الأمر لا يتعدّى المناورات الدبلوماسية. ولماذا لم تتعاون روسيا من قبل؟ ولماذا لم تلب روسيا دعوة أوبك للاجتماع في شهر ديسمبر الماضى.

ولماذا فشلت على الدوام كل المحاولات السابقة التي قامت بها أوبك للتنسيق مع روسيا للمحافظة على استقرار الأسعار؟

لن تستطيع روسيا مواصلة الانتاج عند سعر 25 دولارا للبرميل ويصعب عليها أيضاً المحافظة على زبائنها. فلقد وصل نفط أوبك مؤخراً الى بولندا التي كانت بحكم قربها من روسيا وعلاقاتها التاريخية معها تشتري النفط الروسي ولكن استطاعت أوبك أن تصل الى هناك وتكسب جزءاً من السوق البولندية.

وتعتبر تركيا من أكبر المستهلكين للنفط في أوروبا ومع الاضطرابات الحالية في العلاقات الروسية التركية لاشك أن انقرة ستكون سعيدة فيما لو اشترت نفط أوبك وبخصومات عن النفط الروسي.

بغض النظر إن كانت روسيا جادة أم لا لكن هذه التطورات الأخيرة تثبت نجاح السياسة النفطية للمملكة في المحافظة على حصتها في السوق.

وخير دليل على ذلك تلك الإشارات القادمة من روسيا والتي تدل على موافقتها للمفاوضات بشأن خفض الانتاج. يبدو أن الروس قد اقتنعوا بالحل العقلاني والذي يرضي جميع الأطراف.

على الجميع خفض الانتاج بحوالي 5% وبهذا ستخفض أوبك حوالي 1.5 مليون برميل وستخفض روسيا حوالي نصف مليون برميل باليوم، وهذا يعني أن حوالي 2 مليون برميل باليوم من الفائض النفطي ستسحب من الأسواق وبالتأكيد سيصحح هذا الإجراء المتأخر ويعيد التوازن للأسعار المنخفضة.

وانخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في 12 عاما لتقترب من 27 دولارا للبرميل بعد أن كان سعر النفط حوالي 115 دولارا للبرميل قبل 18 شهرا.

بالطبع يعزى سبب هذا الانخفاض الكبير بأسعار النفط الى التخمة في المعروض الذي تعدى 3 ملايين برميل باليوم، بفعل ثورة انتاج النفط الصخري الأمريكي واستراتيجية أوبك بعدم خفض انتاجها من طرف واحد لحماية حصتها السوقية.

والجدير بالذكر أن تداعيات الهبوط الكبير بأسعار النفط اضطرت روسيا الى خفض عملتها إذ هوى الروبل الروسي إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.

وأصاب اذربيجان ضرر كبير، وأما داخل أوبك فتبقى فنزويلا أكبر المتضررين.

وصل الانتاج الروسي في شهر ديسمبر الماضي الى قمة حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي وسجلت حوالي 10.83 مليون برميل باليوم من النفط والمكثفات.

ولقد وصل معدل الانتاج الروسي في عام 2014م الى حوالي 10.5 مليون برميل باليوم.

وهذا يعني أن روسيا رغم انخفاض أسعار النفط إلا أنها مازالت ترفع انتاجها حيث ارتفع معدل انتاجها في شهر ديسمبر الماضي بحوالي 300 ألف برميل باليوم مقارنة بمعدلات انتاج عام 2014م.

ومن المعلوم أن النفط يستحوذ على أكثر من 40% من الميزانية الروسية، وبكل تأكيد فإن انخفاض الأسعار الى 27 دولارا للبرميل سيلقي بظلاله الثقيلة على الميزانية الروسية.

ولكن لو خفضت روسيا انتاجها البالغ 10.8 مليون برميل باليوم بحوالي نصف مليون برميل ليصبح الانتاج حوالي 10.3 مليون برميل باليوم لكان هذا لصالحها.

تبيع روسيا حالياً 10.8 مليون برميل باليوم بحوالي 30 دولارا للبرميل وبذلك يصبح دخلها اليومي حوالي 324 مليون دولار.

وأما لو خفضت الانتاج الى 10.3 مليون برميل باليوم، لارتفعت الأسعار على أقل تقدير الى حوالي 40 دولارا للبرميل وبذلك يمكن أن يرتفع دخل روسيا اليومي من بيع 10.3 مليون برميل باليوم الى حوالي 391 مليون دولار وبذلك تستطيع روسيا أن تكسب حوالي 90 مليون دولار وأن تقلل التكاليف لأن خفض الانتاج بحوالي نصف مليون برميل كفيل بتخفيض تكاليف الانتاج بحوالي 7.5 مليون دولار يومياً، هذا غير المحافظة على الاحتياطيات النفطية.

وأما أوبك فهي تنتج يومياً حوالي 32 مليون برميل باليوم، والسعر الحالي هو حوالي 28 دولارا للبرميل وهذا يعني أن دخل دول المنظمة الدولية اليومي من بيع 32 مليون برميل هو حوالي 900 مليون دولار.

ولو خفضت انتاجها بحوالي 5% فهذا سيخفض انتاجها اليومي الى حوالي 30.4 مليون برميل باليوم.

ولو افترضنا أن أسعار النفط سترتفع بمجرد إعلان الخفض من روسيا وأوبك (5%) الى حوالي 40 دولارا للبرميل لأصبح دخل دول أوبك من تصدير 30.4 مليون برميل باليوم حوالي 1.2 مليار دولار وهذا يعني أن دخلها قد ارتفع بأكثر من 300 مليون دولار باليوم.

هذا عدا خفض تكاليف انتاج 1.6 مليون برميل باليوم تم سحبها من الانتاج.

وبهذا يمكننا القول إن خفض الانتاج من أوبك وروسيا والمنتجين الآخرين كالنرويج وكازاخستان وبنسب متساوية (فلتكن 5% من معدل انتاج شهر ديسمبر الماضي) هو في مصلحة الجميع.

قالت المملكة مراراً وتكراراً إن الجميع خاسر لو استمر الانتاج بطريقة (الكل ينتج ما يريد) لا بدّ من تنسيق الجهود مع كل المنتجين وإلا الخسارة ستكون من نصيب كل من يصدر النفط.

لا يمكن لبلد واحد أن يتحمل أعباء خلل في انتاج أكثر من 30 دولة تصدر النفط.

تريد بعض دول العالم أن تخفض المملكة انتاجها لاستقرار السوق وهذا يعني أن تخفض المملكة حوالي 2-3 مليون برميل باليوم حتى يتم خفض الفائض بالأسواق العالمية.

ومن ثم ترتفع الأسعار مرة أخرى الى 70-80 دولارا للبرميل وبذلك تستمتع كل الدول بالأسعار العالية وبالاستحواذ على عملاء المملكة وزبائنها.

وبالتالي تخسر المملكة 2 مليون برميل باليوم من انتاجها، وتخسر أيضاً عملاءها الذين يبقون هدفاً مغرياً للمنتجين الآخرين.

تملك المملكة أكبر احتياطي للنفط التقليدي وأكبر طاقة انتاجية بالعالم تقدر بحوالي 12 مليون برميل باليوم واستثمرت الأموال والجهد للمحافظة على هذه الطاقة الانتاجية.

ويعرض الشكل المرفق (1) مقارنة لاحتياطيات المملكة المؤكدة مع احتياطيات الدول الكبرى بانتاج النفط.

تنتج المملكة حالياً حوالي 10.2 مليون برميل باليوم، ولقد رفعت انتاجها منذ 2007م، بحسب ما يعرض الشكل المرفق (2)، بحوالي 15%.

والواقع أن روسيا قد رفعت انتاجها بنفس القدر وإن كان الانتاج الروسي الآن يعتبر عند أعلى نقطة تاريخية له منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

الحقيقة أن أكبر نمو في انتاج النفط في العالم كان من نصيب العراق والولايات المتحدة.

ويبلغ انتاج العراق حالياً من مناطقه الجنوبية حوالي 4.13 مليون برميل باليوم، ومن كردستان العراق حوالى 0.85 مليون برميل باليوم وهذا يعني أن العراق قد اقترب جداً من حاجز 5 ملايين برميل باليوم بعد ان كان انتاجه في عام 2007م حوالي 2 مليون برميل باليوم كما يعرض الشكل المرفق (3).

وهذا يعني أن العراق قد رفع انتاجه في آخر 8 سنوات بحوالي 3 ملايين برميل باليوم.

وأما الولايات المتحدة فكان انتاجها في عام 2007م حوالي 7.5 مليون برميل باليوم وارتفع الانتاج الأمريكي حالياً ليصل الى حوالي 13.8 مليون برميل باليوم.

وهذا يعني أن العراق والولايات المتحدة قد ضاعفا انتاجهما مجتمعين، فبعد أن كان انتاجهما في 2007م حوالي 8.5 مليون برميل باليوم أصبحا ينتجان حالياً حوالي 18.8 مليون برميل باليوم.

وعليه يمكن القول إن ارتفاع الانتاج الأمريكي من النفط غير التقليدي وارتفاع الانتاج العراقي، بالإضافة الى تواضع نمو الطلب على النفط في الدول الصناعية تعتبر من أهم أسباب انخفاض أسعار النفط.

ومن هنا يرى أن هبوط أسعار النفط العالمية كفيل بعرقلة نمو انتاج النفط الصخري بأمريكا ولا يمكن أن يستمر الانتاج العراقي بالارتفاع من غير حساب.

لكن في المقابل تبقى روسيا والمملكة أكبر المصدرين للنفط بالعالم، وبالتالي هما أكبر المتضررين من هبوط الأسعار، وعليه فإن الاتفاق بين روسيا وأوبك يمكن أن يشكل ضماناً لاستقرار الأسعار وثباتها عند مستوى معقول ومقبول من الجميع.

ولقد لاحظ العالم أجمع أنه بمجرد ما صرح رئيس شركة ترانزنفت الروسية أن روسيا بصدد التنسيق والحديث مع أوبك ارتفعت أسعار برنت 2 دولار.

وهذه إشارة قوية مفادها أنه بعدم التنسيق الكل خاسر، وبالتنسيق ستزدهر صناعة وأسعار النفط.





نقلا عن اليوم