هل هبوط الأسهم العالمية مؤشر على أزمة جديدة؟

20/01/2016 1
د. جعفر بدوان

شهد العالم في الأسبوعين الأولين من شهر يناير/‏‏كانون الثاني من العام الحالي هبوطاً حاداً في أسواق الأسهم فقد فيها مؤشر اس أند بي لأسواق الأسهم العالمية حوالي 3 تريليونات دولار أمريكي، فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع الحاد في تلك الأسواق؟ وهل هذا مؤشر على حدوث أزمة جديدة؟

هناك مجموعة من الأسباب التي ساهمت مجتمعة في هذا الهبوط الحاد يأتي على رأسها تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي وتقوض الأمن الوظيفي وأزمة اللاجئين واحتمالات خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي وعدم تمكن الصين من تحقيق الإصلاحات المطلوبة بالاضافة إلى ارتفاع مخاطر الائتمان في ظل استمرار تراجع أسعار الطاقة وأسعار السلع والمواد الأولية. 

الانتعاش الاقتصادي الذي يشهده العالم اليوم ضعيف، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ما زالت مستويات الاستثمار منخفضة، والاتجاه العام لنمو الإنتاجية ضعيف وقطاع التصدير لم يقدم الكثير ولم يظهر أي تحسن حقيقي في دورة الأعمال التجارية العالمية. وبالرغم من كل ذلك قام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل.

إلا أن هذا القرار لم يكن صائبا حيث لم نشهد أي ارتفاع مهم في أسعار الأجور وبقيت القوى المعاكسة للتضخم تحول دون ارتفاع معدلات التضخم إلى المستوى المستهدف مع وجود احتمالات ببقاء معدلات التضخم متدنية في العام الحالي ما يعني أنه يتوجب على الاحتياطي الفيدرالي إما تخفيض معدلات التضخم المستهدفة أو عدم رفع أسعار الفائدة عن المستويات الحالية.

ان السياسة النقدية الحالية غير واقعية وهذا ساهم في دفع الأسواق المالية نحو الهبوط. 

كذلك سيواجه اقتصاد أمريكا اللاتينية المزيد من التحديات السياسية والاقتصادية في عام 2016. وعلى العكس من التوقعات السابقة لم تستطع دول أمريكا اللاتينية تجنب الدخول في أزمة اقتصادية بسبب اعتماد الجزء الأكبر من اقتصاداتها على تصدير السلع والمواد الأولية والبترول التي من المتوقع أن تستمر أسعارها في الهبوط في عام 2016.

ولقد ترافق ذلك مع انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية وتباطؤ وتيرة النمو في الصين.

البرازيل والأرجنتين وفنزويلا، التي تمثل معاً حوالي 55 بالمئة من الاقتصاد الكلي في المنطقة ستمر في مضائق صعبة ومشكلات كبيرة بسبب التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي وكنتيجة لخيارات السياسات الاقتصادية السيئة وسوء الإدارة وانتشار الفساد والصراع السياسي. 

أما على صعيد الاقتصاد الآسيوي فسيكون للاصلاحات الاقتصادية في الصين أثر كبير على الاقتصاد الآسيوي فضلا عن أثر ذلك على الاقتصاد العالمي في عام 2016.

فإذا استطاعت الصين تحقيق الانتقال التدريجي لاقتصادها من خلال إعادة التوازن في الاقتصاد من الاستثمار إلى الاستهلاك، فإن ذلك يمكن أن يفتح الطريق نحو المزيد من النمو المستدام وبالتالي عوده تدريجية للتفاؤل في قطاع الأعمال التجارية الصينية.

إن أهمية الصين بالنسبة لبقية بلدان الأسواق الناشئة كبيرة من خلال تدعيم النمو في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا بسبب تزايد طلب الصين على خام الحديد والنحاس والنفط وغير ذلك.

فإذا نجحت الصين في التعامل مع التحديات المحلية، فهي ستساهم أيضاً في إحياء التفاؤل في الأسواق الناشئة بشكل كبير.

وبالرغم من تصميم الحكومة الصينية لتحقيق ذلك إلا أن هناك مخاطر كبيرة قد تواجهها منها عدم قدرتها على التعامل مع المقاومة الشرسة التي تصدر من جماعات المصالح الخاصة والدوائر المغلقة، بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة ومراكز القوى المحافظة أو المتشددة من السلطة.

وسيبقى الاقتصاد العالمي والأسواق المالية ترصد تلك العلامات الدالة على تعجيل الإصلاحات وتحجيم قدرات قوى المقاومة للتغيير وإضعافها.

ولا يبدو أن الصين قادرة على تحقيق القفزة النوعية المطلوبة في عام 2016.

وتؤكد المؤشرات الحالية على استمرار تقلص الائتمان في الصين ما سيشكل عائقا للنمو الاقتصادي في عام 2016. وقد يضطر بنك الشعب الصيني إلى الاستمرار باتباع سياسة نقدية توسعية لكن هذا بالمقابل سيضعف العملة الصينية وبقية العملات الآسيوية.

وهو بدوره سيؤدي إلى استمرار الاضطراب الذي تشهده حالياً أسواق السلع الأساسية وأسواق الطاقة مثل الغاز والبترول.

والمشكلة التي قد تواجهها الدول المصدرة للسلع والمواد الأولية هي أن عودة الاسعار إلى المستويات الطبيعية ستستغرق وقتاً طويلاً الأمر الذي يعني أن معدلات النمو الاقتصادي فيها ستبقى متدنية لفترة طويلة وهذا ما يطلق عليه بالدورة العظمى. وبالتالي سيستمر الأداء الاقتصادي والنمو لتلك الدول بالتراجع في عام 2016.

كذلك تسببت المنافسة العالمية والرقمنة والاعتماد الكبير على الروبوت في إدارة الأعمال في تقويض الأمن الوظيفي وارتفاع ملحوظ في فئة العمالة غير الآمنة. المؤشرات الحالية تؤكد على أن فرص العمل التي ستتوفر مستقبلا عبارة عن عقود عمل قصيرة الأجل أو وظائف بدوام جزئي أو عمالة ذاتية لا تتمتع بالفوائد الاجتماعية الكاملة والأمن الوظيفي الكامل.

ان فئة العمالة غير الآمنة هي حقيقة واقعة جديدة سيجد العالم نفسه مجبرا على التعامل معها وخاصة في ظل ارتفاع الطلب على التعليم والمعرفة الفنية والمهارات الاجتماعية والزيادة في الحد الأدنى للناس الذين يسعون إلى دخول سوق العمل.

وفي الوقت الذي تراجعت فيه قدرات النقابات المهنية على التفاوض يتوقع أن يستمر معدل انعدام الأمن في أسواق العمل بالارتفاع وتراجع معدلات الإنتاجية في العالم ما سيؤدي إلى ظهور عوامل ضاغطة على الأجور والأجور الحقيقية في عام 2016 وخاصة إذا استمرت أسعار السلع والمواد الأولية وأسعار الطاقة بالانخفاض وإذا لم تتمكن الصين من تحقيق الإصلاحات المطلوبة.

بالمقابل ستظل أزمة اللاجئين في أوروبا عاملاً رئيسياً بالنسبة للأمن والاقتصاد الأوروبي خلال عام 2016.

نقلا عن الخليج الإماراتية