تؤسفني النظرة السلبية والتشاؤمية من بعض رجال الأعمال عند ذكر الحلول المناسبة للتغلب على المصاعب، ومن ذلك الاندماج كحل للكثير من المنشآت، فبعد أن تشرح له أهميته وفوائدة، يصدمك بقوله: ولكن أخشى من الخسائر بلا جدوى، والموظفون لن يتقبلوا الوضع بسهولة، ومجلس المنافسة قد يرفض ... وهكذا في سيل من السلبيات المتوهمة أو الضئيلة مما له حلول عملية.
وقد تقدم في مقال سابق أن مما يسهل على الجهات الرقابية والتمويلية عملها أن تكون الشركات في أوضاع مالية وإدارية جيدة، فعلى سبيل المثال كثرة شركات التأمين في سوق مثل المملكة العربية السعودية، أمر يحتاج إلى إعادة نظر، وتصحيح للأخطاء السابقة في منح التراخيص، وهذا من أسباب تعثر بعضها، ومن الحلول تقديم العون للشركات المتعثرة لتسهيل عملية الاندماج، وفي ذلك تسهيل الرقابة عليها، لكونها تتعامل مع شركات كبيرة وقوية.
إن الاندماج يقي من وجود شركات ضعيفة قد تتعرض للإفلاس لعدم قدرتها على المنافسة مع الشركات القوية، وفي ذلك حفظ للأموال، وحماية للقوة الاقتصادية للبلد، وثقة رجال الأعمال والمودعين الاستثمار في المملكة العربية السعودية (ينظر للأمثلة والاستزادة: الدمج والتملك المصرفي في البلدان العربية ص 21).
وقد يثار تساؤل عن التعامل مع سلبيات الاندماج، فهو قد يؤدي إلى الاحتكار وارتفاع أسعار الخدمات والمنتجات، مع قلة الرغبة في التطوير والتحديث، إذ قد تترتب عن عملية الاندماج الوصول للهيمنة والسيطرة وينتج عنها قلة الاختيارات المتاحة أمام العميل ، ويؤدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الخدمات والسلع المقدمة من هذه الشركات والحل في ذلك عند مجلس المنافسة، فإنه يدرس الاندماج ويصدر قراراه بشأنه بكونه لا يؤدي إلى الهيمنة، أو يوافق موافقة مشروطة، وقد يرفض الاندماج، كما أن الرقابة على الأسعار من قبل السلطة يكبح جماح الطمع لدى الشركات.
كما أن من سلبيات الاندماج أنه قد يؤدي إلى تسريح عدد من الموظفين، مما يزيد من البطالة، وذلك أن الشركة الجديدة ستختار من موظفي الشركتين الكفاءات الجيدة، مع الاستغناء عن البقية. ونظام العمل فيه حماية للعمال من التسريح الجزافي دون حقوق، ولذا فإن في مكافآت نهاية الخدمة ما يخفف من ضرر تسريح الموظفين.
إضافة إلى ذلك فإنه في مراحل الاندماج الأولى يزيد تخوف الكفاءات والقيادات في الشركتين من هيلكة الشركة الجديدة، وكونه سيؤدي إلى تقليل صلاحيات البعض وفقدانهم الوظائف الإشرافية، وربما تقل عوائدهم الشهرية وميزاتهم، وميزة الموظف الجيد ثقته بنفسه، وعلى الموظف الضعيف أن يزيل ضعفه بالتدريب والتأهيل، فإن البقاء للأقوى كما هو معلوم.
ومن المخاطر الكبيرة للاندماج ما ينتج عن إخفاء المعلومات والبيانات للشركات المندمجة، مما قد يؤدى إلى زيادة الأخطاء وعدم تداركها وتصحيحها في الوقت المناسب، والحل في هذا عندنا معاشر المحامين، فالمحامي الجيد الذي يتولى الجانب القانوني للاندماج يتأكد من البيانات، ويصوغ العقود ومذكرات التفاهم وخطابات النوايا بطريقة احترافية تحمي الأطراف وتقضي على التدليس مما يمكن المضرور من محاسبة المسؤول عن إخفاء البيانات المطلوبة.
كما أن بعض التكاليف المترتبة على الاندماج تدفع بعض قصيري النظر لرفضه، مثل إلغاء بعض الفروع في إطار التنسيق الجغرافي للفروع، مما يسبب خسائر إعادة الفروع إلى ملاكها كما كانت، وفسخ عقود الإيجارات قبل أوانها مما يرتب شروطا جزائية وخسائر الديكورات.
وتكاليف الاندماج من دراسات الجدوى وتصميم الشعار وإعادة مطبوعات الشركة الجديدة كاملة، وطباعة التصميم على لوحات الشركة الجديدة. وهذا كما سبق من النظر القاصر، فهي مصاريف قليلة مقارنة لما سيتحقق من فوائد محسوسة في الأجل القريب.
إن كل تلك الآثار السلبية الناتجة عن عمليات الاندماج المصرفي يمكن أن تكون صحيحة في الأجل القصير من فترة الاندماج ، إلا أنها يمكن أن تتناقص وتختفي في الأجل المتوسط والطويل وتبرز المزايا والآثار الايجابية للاندماج المصرفي ، ولكن لكي نتغلب على هذه الآثار السلبية يجب أن يخضع قرار الاندماج المصرفي إلى دراسة متأنية وعميقة وبالاستعانة بمحامي مختص، ومن ثم ضرورة توفر شروط وضوابط لإتمام عملية الاندماج بنجاح (ينظر بعض الأمثلة: عبد المطلب عبد الحميد ، العولمة واقتصاديات البنوك ، ص 172).
في ختام المقال، أستطيع أن أقول بأن الاندماج حل رائع لكثير من إخفاقات الشركات، وفي الجعبة الكثير، ولكن يكفي هذا الملخص لتنبيه رجال الأعمال الذين يكثرون الشكوى من الأوضاع المالية والإدارية ولا يضعون وقتاً كافيا للبحث عن الحلول العملية.