أثار تحقيق لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية عن السعودية، اهتماماً واسع النطاق في الشرق الأوسط وأوساط صناعة النفط العالمية، من خلال المقابلة التي نشرتها في الأسبوع الأول من السنة مع الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع ، والذي ذكر أن السعودية تفكر في طرح أسهم «أرامكو السعودية» للاكتتاب العام.
وقال: «القرار سيتخذ خلال الأشهر القليلة المقبلة»، وأضاف: «شخصياً، أنا متحمس لهذه الخطوة، وأعتقد أنها في مصلحة السوق السعودية وفي مصلحة أرامكو السعودية».
وأكدت الشركة بدورها في بيان صحافي، أنها «بدأت منذ فترة بدرس خيارات لإتاحة الفرصة، عبر الاكتتاب العام في السوق المالية، أمام شريحة واسعة من المستثمرين لتملك حصة مناسبة من أصولها مباشرة أو من خلال طرح حزمة كبيرة من مشاريعها للاكتتاب في قطاعات عدة، بخاصة قطاع التكرير والبتروكيماويات».
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة خالد الفالح، أن أي طرح لأسهمها للاكتتاب العام سيتطلب وقتاً. وأضاف الفالح، وهو أيضاً وزير الصحة، في تصريح الى صحيفة «وول ستريت جورنال»: «لا توجد خطة ملموسة في هذه المرحلة للقيام بالطرح . ثمة دراسات تُجرى»، واصفاً إياها بالـ «جدية».
وأضاف أن طرح الاكتتاب العام قد يشمل «الشركة الرئيسة» التي تضمّ عمليات استخراج النفط الخام، «إضافة الى عمليات التكرير والوحدات البتروكيماوية».
حققت الصناعة النفطية السعودية إنجازات مهمة خلال العقود الماضية. فقد رسمت وزارة البترول سياسة واضحة حول مصالح الدول المنتجة ذات الاحتياطات الضخمة ودورها، تكمن في تبنّي سياسات إنتاجية وسعرية تهدف الى إطالة عصر النفط على رغم المحاولات الدؤوبة لتقليص الاعتماد عليه، لأسباب استراتيجية أو بيئية. كما لعبت الوزارة دوراً قيادياً في منظمة «أوبك».
وشكّل النجاح الباهر الذي حققته «أرامكو السعودية» باستقرار معدلات إنتاجها وتوفير طاقة إنتاجية فائضة ضخمة لاستعمالها أثناء الأزمات، سنداً كبيراً لسياسات السعودية النفطية الدولية، حيث استطاعت تعويض نقص الإمدادات النفطية من العراق وإيران أثناء حرب الثمانينات، كما استطاعت تعويض النفط العراقي والكويتي أثناء احتلال الكويت، أو ما يعادل نحو 5 ملايين برميل يومياً. وهذه طاقة إنتاجية فائضة وفّرتها بسرعة، ما أدى الى تفادي أزمة عالمية.
وأدى التنسيق بين الوزارة و «أرامكو السعودية» الى إعطاء السعودية الصدقية اللازمة في الأسواق النفطية العالمية، على رغم الحملات الكثيرة للتشكيك في إمكاناتها النفطية، وما ترويج فرضية «ذروة النفط» إلا واحدة من هذه الحملات. وقد تحقّق هذا النجاح بالتنسيق ما بين الوزارة وشركة النفط الوطنية.
وهي تجربة فريدة من نوعها، إذ طالما نجد المشاكسات ما بين الطرفين في هذا البلد أو ذاك، ما يؤثر سلباً في صناعة البترول المحلية.
تشير هذه التصريحات الرسمية، الى أن مسألة تخصيص الشركة أمر لا يزال قيد الدرس، وأن تفاصيل التخصيص غير مكتملة أو نهائية، بمعنى على ماذا سيشتمل، (مصافي التكرير والمصانع البتروكيماوية في الداخل والخارج قطاع الإنتاج). ولم يتم التطرق الى احتمال بيع الأسهم لمستثمرين دوليين.
هذه أسئلة في صميم الريع النفطي والموازنة السعودية، وسياسة الدولة النفطية. فإذا شارك مستثمرون في الإنتاج، هل من الممكن الاستمرار في سياسة الطاقة الإنتاجية الفائضة، عماد السياسة النفطية السعودية؟ وما هي الانعكاسات على الريع المالي وموازنة الدولة؟
كان واضحاً من المقابلة مع محمد بن سلمان وتعليق «الإيكونوميست»، أن التخصيص لا يستهدف «أرامكو السعودية» فقط، بل يشكّل سياسة عامة للإصلاح والتخصيص التي تنوي السعودية انتهاجها في مجمل القطاعات الاقتصادية. وأطلقت «الإيكونومست» على هذه الإصلاحات، «السياسة الثاتشرية» نسبة الى رئيسة وزراء بريطانيا السابقة وسياستها التي خصصت من خلالها معظم المرافق الاقتصادية في بريطانيا.
سيشكّل تخصيص «أرامكو السعودية»، وما سيتبعه من تخصيصات، وفقاً لولي ولي العهد، تغيراً أساسياً في اقتصاد المملكة، يشمل تقليص النفقات والدعم الحكومي للكهرباء والماء والوقود، وترشيد استهلاك الطاقة، حيث هناك مؤشرات الى احتمال تقلص الصادرات النفطية مستقبلاً، في حال استمرار ارتفاع الاستهلاك المحلي على نهجه الحالي. أخيراً وليس آخراً، تشجيع اليد العاملة المحلية والقطاع الخاص على المساهمة في شكل أوسع في اقتصاد البلاد والتصدير.
من الواضح، أن الأوان آن عربياً، لتبنّي إصلاحات اقتصادية. إذ تعتمد الدول العربية النفطية على سياسات اقتصادية تم تبنيها منذ عقود في ظل ظروف مختلفة كلياً، حيث وجود مجتمع فقير مع استهلاك محدود لوسائل النقل والكهرباء والماء، ناهيك عن قلة عدد السكان، خصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تضاعف عدد المواطنين والمقيمين بنسب عالية جداً. كما يزداد التنافس في سياسة الطاقة العالمية.
هذه المتغيرات تتطلّب مراجعة سياسات الدعم الحكومي وحجمه بين فترة وأخرى، وإعادة نظر في توفير موارد مالية جديدة للدولة، وتبيان الدور الجديد للقطاع الخاص المحلي المتنامي وفتح فرص أوسع لليد العاملة المحلية.
وبما أن النفط هو القطاع الأكبر والأهم عربياً، فلا بد أن تبدأ الإصلاحات منه لما له من انعكاسات على مجمل الاقتصاد المحلي. ويتوقع أن يستنتج بعض المحللين أن تبني مشاريع الإصلاحات الاقتصادية يأتي في وقت حرج: الحروب الإقليمية وتدهور أسعار النفط. لكن لا تنطلق الإصلاحات عادة من دون تحديات.
تطرح تجارب الإصلاحات الاقتصادية أسئلة عدة: ما هي طبيعة الاستثمارات الجديدة للدولة بعد الإصلاحات؟ كيف تغير الأنظمة المعتمدة لعقود من دون خلق فوضى اقتصادية؟ هل من الممكن ضبط عملية التغيير لمنع استفادة المغامرين على حساب الدولة، كما حدث في روسيا ؟ ومع تغير العلاقة بين المواطن والدولة، بحيث يبدأ المواطن دفع رسوم وضرائب، كيف سيتغير العقد الاجتماعي بين الطرفين؟ وما هي طبيعة العقد الاجتماعي الجديد؟ كلها أسئلة من الصعب تفاديها.
نقلا عن الحياة