النفط لم يعد الابن البار

14/01/2016 2
م. برجس حمود البرجس

هبطت أسعار النفط دون 30 دولارا للبرميل هذا الأسبوع، وكان أدنى مستوى منذ 12 سنة، وربما يهبط أكثر، ماذا يحصل؟ لماذا ارتفع النفط أساسا؟ ولماذا هبط؟ من يثّمن النفط؟ وما عوامل التأثير على الأسعار؟

قيمة النفط ليست بتركيبته ولا بتكلفة إنتاجه، فبعض الدول أنتجته بأقل من 10 دولارات للبرميل وباعته بأكثر من 100 دولار، قيمة النفط بندرته وبالكميات الكبيرة التي تستهلكها دول العالم، وأسعار النفط تحددها عوامل كثيرة من أهما المخزون تحت الأرض، ومتى ما كان مطمئنا يدخل عامل العرض والطلب، ومتى ما كان مطمئنا تدخل عوامل الاستقرار السياسية والجيوسياسية والمخاوف من نقص الإمدادات، ومتى ما كانت جميع هذه العوامل مطمئنة (كما هو اليوم)، يبدأ عامل تحديد السعر من قبل "مضاربي الأسهم".

مضاربو أسهم النفط يختلفون عن مضاربي أسهم التداول العادية، فالذي يشتري السهم في أي منها، فإنه يشتري "أصولا" أو "موجودات"، ولكن الفرق أنه عندما تشتري سهما في شركة تجزئة أو بنك فإنك تشتري "أصلا" باقيا ولست ملزما ببيعه، على عكس سهم النفط، فالمشتري في العقود الحالية ملزم ببيعه خلال 30 يوما من بداية الفترة، لأن النفط سيصل للميناء ويحتاج إلى تخزين في صهاريج فوق سطح الأرض، فعند شرائك النفط وانتهاء فترة بيعه ليس أمامك إلا استخدامه أو تخزينه في الصهاريج وهذا مكلف. 

الاحتياطات النفطية ليست مقلقة هذه السنوات، فالمخزون تحت الأرض لا يقلق الأسواق وخارج المعادلة، وزيادة معروض الإنتاج الحالي وصل إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، فليس هناك مخاوف من نقص الإمدادات النفطية، سواء من الناحية الإنتاجية أو من الأوضاع السياسية، وإيران تعمل على برنامج سريع في برنامجها النووي لاستيفاء شروط السماح لها بتصدير مليون برميل إضافية، وليبيا متى ما استقرت أوضاعها الأمنية قادرة على إضافة مليون ونصف المليون برميل في الأسواق الدولية، ولنتذكر دائما أن من هبط بسعر النفط 70 % وربما أكثر هو زيادة بالإنتاج فقط 3 %، ولو نقصت الإمدادات 3 % سيصبح السعر ثلاثي الخانات، فوق المئة دولار.

هنا تبدأ مشكلتنا كدولة مصدرة للنفط، فالعامل الأكبر هذه الأيام هي وفرة النفط في صهاريج فوق سطح الأرض، فبهذا عوامل العرض والطلب وعوامل المخاوف ونقص الإمدادات وغيرها ليست مؤثرة بشكل كبير، حيث إن الموجود في الصهاريج يمكن استخدامه، وبذلك تهبط الأسعار، ولهذا "مضارب الأسهم النفطية" يتحكم في أسعار نفطنا، وللمعلومية، السعودية لا تسمح لنفطها بأن يتداول في سوق الأسهم لا في نيويورك ولا لندن ولا غيرها من أسواق التداول النفطي.

وللتوضيح مرة أخرى من يشتري أسهم النفط اليوم في معزل شبه تام عن العوامل المؤثرة، فقط يشتري نفطا في ناقلة بحرية وسط المحيط في رحلة قد تستغرق 20 يوما ويبيعه غدا في البورصة نفسها، ولذلك لا ينظر إلا للنفط المخزن في الصهاريج الموجودة فوق الأرض. 

لامست أسعار النفط 100 دولار أول مرة في يناير 2008، ووصلت إلى 147 دولارا في منتصف 2008 ومن ثم هبطت حتى وصلت 35 دولارا تقريبا في الربع الأول من عام 2009، فكانت إيرادات المملكة تريليونا عام 2008 ونصف تريليون عام 2009، واستقرت الأسعار عام 2010 بينهما، وكان العامل المؤثر الأكبر في تلك السنوات بين 2005 و2010 هو المخاوف من نقص الإمدادات، وعدم اتزان العرض مع الطلب، وكان أحد أهم العوامل هو الحظر الاقتصادي على إيران، حيث منعت من تصدير مليون برميل كانت تصدره بالإضافة إلى المليون ونصف المليون التي كانت وما زالت تصدره.

في عام 2011 وفي بداية الربيع العربي هبط إنتاج ليبيا من مليوني برميل يوميا إلى أقل من 200 ألف، فاشتد السوق وزاد إنتاج المملكة وكانت إيرادات المملكة تريليونية للأعوام الأربعة 2011-2014 بسبب ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار قبل أن تهبط إلى 600 مليار عام 2015، وها نحن اليوم دون الـ30 دولارا للبرميل. 

النفط الصخري الموجود في دول العالم أكثر من النفط التقليدي "العادي"، ولكن لم تكن هناك تكنولوجيا تمكن استخراجه حتى الأعوام القليلة الماضية، ولكنه كان مكلفا واستمر تطويره ليلا نهارا حتى أصبح مجدي، فالآن إنتاج النفط الصخري السبب الرئيسي في هبوط أسعار النفط. الذي يحصل طبيعي جدا، تكنولوجيا حفر آبار النفط والتكسير الهيدروليكي تفوقت على تجارة النفط التقليدية.

كان إنتاج النفط الصخري نصف مليون برميل يوميا عام 2005، ووصل إنتاجه إلى مليون برميل يوميا عام 2011، وتخطى الإنتاج من الصخري في أميركا 4.5 ملايين برميل العام الماضي. 

اقتصادنا في طابور الانتظار متأمل وراجٍ وداعٍ إلى خسارة شركات النفط الصخري، لم نكن نريد أن نرى موقفا مخجلا مثل هذا، بعد أن كنا الدولة الأكثر موثوقية في تأمين الإمدادات النفطية لدول العالم. 

المملكة كانت تملك مزايا للتنافس، والتي أصبحت الآن مزايا للمنافس، شركات النفط الصخري ليس من ينافسنا، بل وجود النفط الصخري ووجود التكنولوجيا التي تستطيع استخراجه، فإن خسرت تلك الشركات فالنفط الصخري باقٍ والتكنولوجيا التي تستطيع استخراجه باقية وستتطور أكثر، والصخري جاهز للرجوع متى ما ارتفعت أسعار النفط.

تسهل قراءة أسواق النفط في المستقبل القريب والمستقبل البعيد، ولكن تصعب قراءته في المستقبل المتوسط، وفي جميع الأحوال مستقبل النفط في أي منظور لم يعد مصدر أمان بالنسبة للمملكة حتى وإن ارتفع فوق الـ100 دولار للبرميل، لعله يتعافى قريبا ولكن تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط بالنسبة للمملكة لم يعد خيارا، بل الحل الوحيد للخروج من المأزق.

نقلا عن الوطن