تعتمد الاقتصادات العربية على إيرادات النفط في شكل مباشر وغير مباشر. معلوم أن بلداناً مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت والعراق وليبيا والجزائر هي بلدان اعتمدت على إيرادات النفط منذ عقود طويلة لتمويل إنفاقها الحكومي، ووظفت أدوات الإنفاق العام من أجل حفز النشاط لدى القطاعات غير النفطية.
أما اقتصادات البلدان الأخرى، غير المنضوية في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، فاعتمدت على إيرادات نفطية إلى حد ما ومن هذه البلدان مصر وسورية واليمن والسودان، بالإضافة إلى حصولها، هي والبلدان العربية المستوردة الصافية، على دعم مباشر وغير مباشر من الدول العربية الأخرى المنتجة للنفط أو تحويلات العاملين في تلك الدول.
ولذلك يمكن الزعم أن الاقتصاد العربي الشامل هو اقتصاد نفطي بامتياز، خصوصاً بعد تراجع دور الزراعة والصناعات التحويلية وضعف قدرات الدول على التصدير وتحصيل الإيرادات المناسبة لتعضيد إمكانياتها المالية.
وبعدما أصبح هيكل تمويل العمل الاقتصادي قائماً على إيرادات النفط من خلال مختلف الآليات الاقتصادية، فإن تراجع أسعار النفط الذي بدأ في منتصف 2014، بات مثيراً للقلق المشروع لدى مختلف الإدارات الاقتصادية في أي من البلدان العربية.
غني عن البيان أن تراجع الأسعار ربما أدى إلى انخفاض إيرادات النفط لأي من البلدان العربية المنتجة للنفط بنسبة لا تقل الآن عن 60 في المئة قياساً بإيرادات عام 2013.
ماذا نتوقع أن يحدث خلال عام 2016 اقتصادياً؟ وكيف يتعين على الإدارات الاقتصادية في بلداننا العربية مواجهة متطلبات إنجاز مشاريع التنمية الأساسية والحفاظ على مستويات معيشة لائقة لشعوب المنطقة؟
لا شك في ان التحديات معقدة وليست هينة وتتطلب جهوداً مضنية وإبداعات في صياغة السياسات المالية والاقتصادية.
لكن الحياة الاقتصادية بعد مرور هذه العقود الطويلة من الاعتماد على النفط وآليات الإنفاق العام وأدواته باتت رهينة لقيم الاقتصاد الريعي الذي يدار من بيروقراطيات ينقصها الابتكار والإبداع والتطوير.
ويشير العديد من رجال الأعمال في مختلف البلدان العربية إلى أنهم يواجهون عقبات غير قابلة للتطويع في التعامل مع الإدارات الحكومية من أجل ترخيص المشاريع المعتمدة ثم إنجازها.
يضاف إلى ذلك أن محاولات الإصلاح الاقتصادي التي تحظى بموافقات من الإدارات السيادية في مختلف البلدان العربية يجرى تعطيلها من الإدارات التنفيذية بوسائل متنوعة ومنها محاولات الإثراء غير المشروع لتسهيل عمليات التنفيذ والإنجاز.
وشُرِّعت قوانين وأنظمة على مدى العقود والسنوات الماضية لنقل ملكية مؤسسات وأنظمة من القطاع العام إلى القطاع الخاص لكنها عُطِّلت بفعل عراقيل تلك الإدارات.
يعني هذا الواقع الإداري والسياسي ان مواجهة انخفاض أسعار النفط وتراجع الإيرادات من خلال سياسات اقتصادية جديدة تهدف إلى تنويع القاعدة الاقتصادية وتوظيف إمكانيات القطاع الخاص وأمواله قد لا تكون ممكنة من دون إنجاز التطوير المواتي للإدارة الحكومية وتبني برامج تصحيح هيكلي جسورة.
البيانات الاقتصادية تشير إلى ان الناتج المحلي الإجمالي العربي يقارب 2.8 تريليون دولار، أو 3.8 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي. ويُقدَّر ناتج البلدان الخليجية بـ 1.7 تريليون دولار أو 61 في المئة من الناتج الإجمالي للبلدان العربية.
وهنا تتضح أهمية الاقتصاد النفطي في تعزيز قيمة الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الخليج وتأثيراته في مجمل الاقتصاد العربي. فالدول الخليجية التي احتمت بإيرادات نفطية مرتفعة على مدى عقد من الزمن أصبحت تواجه استحقاقات الترشيد وربما التقشف.
وعندما تُطرح الآن مسألة إمكانية مراجعة الدعم أو ترشيده فذلك يواجه مقاومة من المستفيدين من مختلف الشرائح الاجتماعية، بما يؤكد أهمية تبني سياسات إصلاحية حقيقية ترتقي باقتصادات المنطقة وتجعلها أكثر قدرة على مواجهة الصدمات، وأهمها صدمة تراجع إيرادات النفط.
أما البلدان العربية الأخرى فإن أوضاعها تثير القلق الشديد، فهي لا تملك الإمكانات المالية التي تملكها بلدان الخليج والتي تمكنت من تكوين صناديق سيادية ستعضدها خلال السنوات المقبلة، إذا استمرت أسعار النفط متدنية. فالبلدان العربية غير النفطية تواجه معضلات اقتصادية صعبة منذ بداية ثورات «الربيع العربي» في 2011.
هل يمكن أن تتجاوز مصر الأوضاع التي نشأت بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 والمتمثلة بتدني إنتاجية قطاع الصناعات التحويلية وارتفاع معدلات البطالة وتراجع إيرادات القطاع السياحي وتدني إيرادات البلاد من النقد الأجنبي؟
صحيح أن الإدارة الحكومية الجديدة عملت لتطوير قناة السويس من أجل تعزيز إيراداتها، كما تعمل لاستتباب الأمن لحفز المستثمرين على الإنفاق الرأسمالي، وكذلك تحسين أوضاع السياحة في البلاد، لكنْ ثمة شوط طويل قبل ان تتمكن الحكومة من مواجهة كل الالتزامات والاستحقاقات.
وينطبق الأمر على تونس التي تحاول ان تنهض باقتصادها في ظل تحديات أمنية معقدة. أما اليمن وليبيا وسورية فهي تعاني من ويلات الانقسام السياسي وتفاقم الصراع المسلح وضعف الإدارة الحكومية ولن تتمكن من تحسين اقتصاداتها من دون التوصل إلى معالجات سياسية ترضي الأطراف المتصارعة.
ويواجه العراق عجزاً كبيراً في الموازنة الحكومية، خصوصاً بعد تفاقم الصراع المسلح مع الإرهاب وتبعاته وتكاليفه، في وقت تتراجع فيه مخصصات المشاريع التنموية وأعمال تطوير المرافق. أما الجزائر فتواجه تدني أسعار النفط والغاز من دون بدائل تذكر.
نقلا عن الحياة