خلال السنوات الماضية كثيرا ما تحدثنا مع العديد من المتابعين والاقتصاديين عن الهدر في الانفاق الحكومي، طارحين للعديد من الرؤى والمقترحات بهذا الخصوص، ولكن مع إعلان الميزانية العامة مؤخرا يمكننا القول أن آمالنا تحققت أخيرا ولله الحمد، فقد صاحب الإعلان عن الميزانية صدور مراسيم ملكية تنظم عملية صرف الميزانية وكيفية التصرف فيها.
في البداية أود أن استعرض نقطة مهمة في الميزانية التقديرية لسنة 2016 حيث إنه تم تخصيص مبلغ 183 مليار ريال، كمخصص دعم الميزانية العامة لمواجهة النقص المحتمل في الإيرادات بسبب أي تقلبات حادة متوقعة في أسعار النفط، حيث يمثل هذا المبلغ وسادة للميزانية ليقلص احتمال ارتفاع المصاريف الفعلية بفرق كبير يصل إلى 20% سنويا كما اعتدناه في الفترة الماضية.
أو بكلمات أخرى، يمكننا افتراض أن المصروفات الفعلية مرجح ألا تتجاوز 840 مليار ريال خلال سنة 2016.
المراسيم الملكية التي صدرت مع الميزانية لتنظم عمليات صرف المخصصات أعتقد أنها ستساهم بشكل كبير في ادارة الصرف الحكومي وتلافي الهدر في الانفاق بمختلف أشكالة.
هذه المراسيم تشمل عدم صرف ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية العامة للدولة كالعادة وتحويله مباشرة إلى حساب الاحتياطي العام للدولة، وعدم السحب من الاحتياطي العام للدولة إلا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة، وأن صلاحية السحب من مخصص دعم الميزانية العامة يعود لمجلس الاقتصاد والتنمية فقط، إضافة إلى حصر الموافقة على المناقلات بين اعتمادات وفصول وفروع الميزانية على وزير المالية وعلى الوزير المختص بالنسبة لاعتمادات البنود.
أيضا عدم استعمال الاعتماد في غير ما خُصِّصَ له، أو إصدار أمر بالالتزام أو بالصرف بما يتجاوز الاعتماد، أو الالتزام بأي مصروف ليس له اعتماد في الميزانية، ومن يخالف ذلك سيتعرض لقواعد وإجراءات تطبق بحقه.
أيضا عدم إصدار قرار أو إبرام عقد من شأن أي منهما أن يُرَتِّب التزاماً على سنة مالية مُقْبِلَة الا باستثناءات محدودة جدا، وجوانب أخرى إضافية متضمنة في المراسيم سيكون لها دور كبير في الحد من الهدر في الانفاق الحكومي بإذن الله.
هذه المراسيم ستعمل بشكل جيد مع مركز إدارة المشروعات الوطني الذي تم إقراره خلال شهر اغسطس الماضي من مجلس الوزراء حيث من المتوقع ان يساهم هذا المركز في تقليل عدد المشروعات المتعثرة والمساهمة بشكل فعال في تقوية عمليات التكامل والتآزر Synergy بين الوزارات الحكومية بمختلف تخصصاتها ومهامها، وفي النهاية تساهم في إدارة الانفاق الحكومي بفعالية، فوجود معلومات المشروعات متاحة للمجلس الاقتصادي وللوزارات الأخرى يساعدها في عمليات تخطيط المشروعات الحالية والجديدة ومقارنة ميزانيتها بين كل إدارة حكومية وأخرى.
إجراءات الميزانية لا تعني بالضرورة تقليص الانفاق لأن حجم المصاريف التقديرية قريبة جدا من مستواها خلال السنة الماضية، بل أراها لبنة لخطة صرف حكومي جديدة وضعت نصب عينها تحقيق فائدة منعكسة على الاقتصاد لكل ريال يتم صرفه من الميزانية.
كما يذكرنا هذا أيضا بإصرار قيادتنا الحكيمة في إشراك القطاع الخاص هذه المرة بفعالية في السياسة التوسعية الحكومية فمن الواضح ان برنامج التحول الوطني سيضع خريطة الطريق لطبيعة هذا التعاون مع القطاع الخاص وتحديدا عن طريق تطوير القوانين المحلية في مختلف القطاعات التنموية وخصخصة المرافق الحكومية التي يمكن للقطاع الخاص إدارتها وتطويرها.
أعتقد أننا على مشارف عهد جديد من التوسع الاقتصادي الذي سيكون معتمدا بشكل أكبر على القطاع الخاص بإذن الله تماما كما حدث مع الاقتصاد السعودي خلال فترة التسعينيات الميلادية والتي استمر فيها الناتج المحلي بالنمو متجاهلا الجمود في الميزانية الحكومية تلك الفترة ومحدودية الصرف الحكومي.
نقلا عن الرياض
الدولة ومؤسساتها مسرفة في البذخ في الولائم في البروتوكولات في الورود في في في في في .......