السياسة وايران تفسدان اجتماع "أوبك" وكذلك سوق النفط

10/12/2015 7
خالد أبو شادي

الحديث مجددا عن السياسة وتحكمها في الأمور بغرض تحقيق المصالح، ولهذا السبب فإن "أوبك" لا مانع لديها لوضع العربة أمام الحصان بغية الوصول للهدف، ولكن هل حقا يوجد هدف؟

إذا كان ذلك لإخراج منتجو النفط الصخري أو الحجري من أرض المعركة فهذا رهان خاسر، وهو يشبه تماما الرهان على عدم تسيد السيارات كوسيلة نقل وترحال قبل أكثر من مئة سنة وتواصل عربات الخيول والبغال إلى الأبد، لا أظن أحدا يقبل هذه الفرضية.

وبنفس المنطق يكون خاسرا إذا ظن أحد قبل عدة سنوات فقط أن الجوال الذكي لن يزاحم الكمبيوتر التقليدي في سوقه بل يخرجه من المنافسة، وإلا ما صار حال شركة "اتش بي" الكبرى على ما هي عليه الآن، وتتربص الأجهزة القابلة للإرتداء مثل "آبل ووتش" بالجوال لنفس الأسباب وهلم جرا.

الإشكالية إن فترات التحول في تاريخ البشرية لا يمكن الإحساس بها في مدى زمني ضيق، فاستبدال تقنية محل أخرى يتغلغل بسرعة السلحفاة –ان جاز التعبير- لذا فهو بطيء وغير محسوس لكنه متواصل ويتقدم ويفرض نفسه.

وحتى لو أفلست شركات، فإن تقنيات النفط الصخري لن تموت أو تذهب لغياهب النسيان، وإلا كانت فقاعة "دوت كوم" عام 2000 ايذانا بنهاية عصر الإنترنت وشركاته التي تملأ الدنيا وتشغل الناس حاليا رغم الخسائر الضخمة التي تكبدها المستثمرون آنذاك.

يجب أن نفرق تماما بين إخراج شركة أو اثنين أو حتى عشرين من السوق، وبين إخراج التقنية التي تعمل بها وإحالتها للمعاش، الأولى ممكنة أما الثانية فلا.

وبالعودة إلى السياسة فإن الاتفاق الذي توصلت إليه ايران مع ما يسمى القوى الدولية "5+1" في وقت سابق هذا العام مهد الطريق لرفع العقوبات عنها ومن ثم عودة شهيتها لسوق النفط لتعويض الكثير مما فاتها، وسط توقعات بضخ طهران كمية اضافية تناهز مليون برميل يوميا ضمن سوق تئن من فرط التخمة.

لكن عودة ايران تأتي في ظروف مغايرة، حيث أنها تثير القلاقل في المنطقة بدعم الحوثيين في اليمن، ومن ثم وضعها في مواجهة مباشرة مع الكيان الأكبر في "أوبك" وهو السعودية أكبر المتضررين جيوسياسيا من هذا الدعم.

ومن وجهة نظرى فإن المواجهة الحقيقية بين ايران والمملكة ستكون في سوق النفط رغم أنها بدأت في "أوبك"، لكن حقيقتها البائنة ستظهر في السوق حيث التنافس على الحصص، لكن يبقى انعكاس السياسة حاضرا في اجتماع الجمعة الماضي حيث الإنقسام والمراوغة في صياغة البيان الختامي.

ودليل ذلك بجانب عدم التصريح رسيما برفع سقف الإنتاج الذي كان سيعني ضمنياً موافقة السعودية ولو بشكل غير مباشر على رفع الإنتاج الايراني، بل أكثر من ذلك وهو تجاوز الإنتاج الفعلي حدود 32 مليون برميل، وهذا شيء لا تقبله المملكة.

ومن المراوغة وعدم الوضوح أيضا عدم تحديد تضمين اندونيسيا العائدة بعد غياب ضمن نطاق الإنتاج المعلن عنه في حين أن الدولة الآسيوية نفسها تنتج قرابة 833 ألف برميل تقريبا في اليوم وتستهلك أكثر من ضعف هذا الرقم.

والمتابع لإجتماعات "أوبك" قبل اتفاق ايران النووي، سيجد أنها لم تكن "عاصفة" أو بهذه الدرجة من الإنقسام، فكان قرار ترك سقف الإنتاج في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 رغم ما سببه من ردة فعل سلبية على الأسعار، لكنه لم يظهر ضعف "أوبك" كما فعل اجتماع الثالث من ديسمبر/كانون الأول.

"أوبك" باتت أضعف، والإشكالية في اجتماعها الأخير أعمق من سقف انتاجها الذي اعتادت على تجاوزه، أى أنه فعليا مجرد تحديد شكلي أكثر منه فعلي، لذا فعدم الإتفاق، أو بالأحرى الإنقسام وتوتر الأعصاب الذي غذاه تواصل تراجع أسعار النفط هو مرضها العضال الآن.

ولأن السياسة تلعب دورها فإن توسيع نطاق نفوذ "أوبك" بشكل مؤثر وحقيقي يظل مشكوكا فيه، لأن من الصعب انضمام دولة بحجم روسيا إلى التكتل، ومن ثم ستكون غالبا في تصادم مع المملكة لتحركاتها حماية لمصالحها في المنطقة إن لم نقل أطماعها. 

وتبقى الإشارة إلى أن ايران كما تثير القلاقل في المنطقة، فإنها تثيرها في "أوبك"، والأهم ما ستثيره في سوق النفط عندما تعود له مطلع العام القادم-كما تشير أغلب التوقعات، ولهذا يجب أن تكون الاستراتيجية جاهزة لمواجهتها في المعركة الفعلية.