عندما تتحول أوبك لديوانية!

07/12/2015 1
د. إحسان بوحليقة

أكد اجتماع أوبك الأخير أن المنظمة تعاني من ضعف؛ فهي لم تستطع الخروج بقرار موحد؛ لحفظ ماء الوجه، ويبدو أن ما منع ذلك أن الدول الأعضاء الرئيسية تنظر في اتجاهات متعارضة، أو غير متسقة على أقل تقدير.

وبدون امتلاك أوبك قراراً موحداً تتحول لزائدة دودية؛ لا فائدة منها فيما عدا اجتماعات ماراثونية لطحن الماء!

الحديث هنا عن المحصلة وليس عن مناسبات التقاط الصور.

هناك من يتمسك بأوبك تمسكاً عاطفياً بعلاقة استمرت لأكثر من خمسين عاماً، لكن أوبك تعيش الآن خارج العصر، فهذا ليس عصر النفط، ولا عصر الهيدروكربون؛ هذا عصر المعرفة واقتصاد ما بعد التصنيع.

سيقول قائل إن العالم لا يستطيع أن يستغني عن النفط. أقول:

نعم لن يستطيع، وليس مطلوب أن يستغني بالكامل عن النفط لكن القصد أن ارتكاز العالم واقتصاده على النفط اضمحل.

ولعل من المفيد التذكير أن العالم حتى هذه اللحظة لم يستغن عن الفحم الحجري، وهو أبعد ما يكون عن ذلك؛ فما برح الفحم يلبي 29 بالمائة من احتياجات العالم من الطاقة، فيما يلبي النفط -مع كل هذا الزعيق- 31 بالمائة، كما أن استهلاك الفحم ينمو (ولا يخبو كما قد يظن بعضنا) بمعدل سنوي يتجاوز 2 بالمائة!

يبدو أن السوق النفطية خرجت من سطوة "أوبك" كما سبق أن خرجت من سطوة شركات النفط العملاقة، وهي في طريقها لتصبح مؤهلةً لتنضم للسلوك الطبيعي لبقية السلع، أي يخضع سعرها للعرض وللطلب، ولا يعني هذا انتفاء التأثير السياسي لدولةٍ أو لدولٍ أو للتأثير الجيوسياسي لأحداث إقليمية، فالتأثير السياسي لم يغب أبداً، بل كان هو الحاضر الأكبر في اجتماع أوبك الأخير في فينا، فسبق أن دار حديث عن أن الترتيبات السياسية ذات تأثير طاغ على سعر النفط، وأقول إن غياب الاتفاقات السياسية هو ما أعاق اجتماع أوبك من الخروج باتفاق حول سقف للإنتاج، كما درجت المنظمة على تأكيد عقب كل اجتماع.

وهكذا، فيبدو أن مسار سلوك النفط كسلعة يتحرك ليصبح سلعة بلا بريق؛ يرتفع سعرها وينخفض فلا يحرك أحد ساكناً.

وتتفاوت ضمن "أوبك" توجهات الدول، فثمة دول تنتهج أسلوباً "صفقاتياً" (من صَفقة) قصير المدى يرتكز إلى السعي للتأثير على السعر ارتفاعاً، ولا تثريب على هؤلاء سوى أن هذه المدرسة لم تَعدّ مؤثرة لأربعة أسباب رئيسية:

1- وجود فائض كبير في السوق.

2- توفر نفط بأسعار بخسة من مناطق النزاع.

3- تنافس دول أوبك على الحصص.

4- تزايد تأثير المنتجين خارج أوبك ولاسيما من الدول الصناعية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية.

مما دفع دول ضمن "أوبك" لانتهاج أسلوب استراتيجي يقوم على التأثير عبر الحفاظ على استقرار السوق واعتمادية امدادات الزبائن، وبالقطع لا تمانع هذه الدول أن يرتفع السعر بل تسعى إليه بأسلوب مختلف يقوم على بناء علاقات وثيقة مع المستهلكين.

ومع مرور الوقت، ثبت تفوق تأثير النهج الاستراتيجي في طمأنة الزبائن بأن الحفاظ على استقرار اقتصاداتهم عبر توفير الامدادات ليس محل مزايدة أو تفاوض.

وحالياً، ليس بوسع دول أوبك التأثير على كل العناصر الأربعة، لكن بوسع الدول الأعضاء أن تتمسك ببيع ما تنتجه لتدافع بذلك عن حصتها من السوق، وهي تفعل ذلك فيما العوامل الثلاثة الأخرى تتأرجح وفقاً لمتغيرات الاقتصاد والسياسة.

وعلى الرغم من أن مَدرسة "الصفقة" تقول إن النفط سلعة استراتيجية لكنها لا تتعامل معها باتساق مع ذلك المنطلق؛ فهي ليس لها زبائن دائمون يعتمدون عليها لتوفير احتياجاتهم من الطاقة، بل تسعى لبيع ما لديها في عرض البحر أو البورصات أو الوسطاء، بمعنى أن ليس مهماً لها من يشتري، بل مَن يَدفع.

ولا أعيب هذا النهج من حيث المبدأ، لكنه في جوهره يقوم على منطق "جودة السوق ولا جودة البضاعة"، وهو منطق يمكن أن يعمل في الاتجاه المضاد كذلك؛ فالمنافس الشرس والمباشر لتيار "الصفقة" هم تجار النفط الجدد ممن استولوا عليه في مناطق النزاع العربية، مثل سوريا والعراق وليبيا، ويعرضوه بأسعارٍ بخسةٍ على السماسرة ليجد طريقه في نهاية المطاف لأسواق الاستهلاك! ومع ذلك، فأصحاب مدرسة "الصفقة" ضمن "أوبك" عاشوا فترة إنكار ولم يستوعبوا سريعاً فداحة التغييرات في السوق.

ويبدو أن أوبك ستبقى تعاني ما دامت العوامل الخارجة عن نطاق المنظمة أقوى في تأثيرها على السعر أكثر مما يمكن أن تقوم به المنظمة من وضع سقفٍ للإنتاج وصولاً لسعر مستهدف، فكيف إن بلغت أوبك من الضعف أنها لا تستطيع حتى الاتفاق على سقف تدافع عنه؟!

نقلا عن اليوم