لماذا النرويج وليس السعودية

03/12/2015 5
د. حمزة السالم

يصف البعض النرويج بأنها بلاد العرب في الشمال البعيد، ونحن قلب بلاد العرب، والنرويج مشهورة جدا بمدى خصوصيتها النرويجية ونحن كذلك لنا خصوصية خاصة جداً.

ويتغنى الكثير منا نحن السعوديين وكذلك الاقتصاديين والإعلاميين على مستوى العالم بالنموذج الاقتصادي النرويجي وبصندوقها السيادي وبوضعها المالي.

وتصدر بعض المنظمات الدولية الخاصة والعامة تقارير متشائمة عن الاقتصاد السعودي بينما يجعلون من النرويج القدوة الاقتصادية المثالية.

ولو عقدنا مقارنة بين اقتصادنا واقتصاد النرويج لعرفنا إنه ليس الاقتصاد بل الحياة الاجتماعية هو دوافع تبجيل الاقتصاد النرويجي دون الاقتصاد السعودي.

يشكل النفط والغاز ربع الناتج المحلي للنرويج بينما تشكل الضرائب نصف الناتج المحلي النرويجي.

فريع النفط الذي تستودع النرويج غالبه في صندوقها السيادي هو في الواقع مسدد من فرض الضرائب على المواطنين.

فضريبة القيمة المضافة عندهم كالسلع ونحوها تبلغ 25% وضريبة الدخل على الأفراد 55% وضريبة الشركات من 28% - 78%.

فمتوسط ما تدفعه الأسرة النرويجية من مجموع الضرائب يصل إلى مائة الف دولار سنويا.

فما ثمرة هذه الضرائب على الاقتصاد النرويجي الذي يخزن عوائد النفط، ويعوضها مضاعفة من الضرائب؟ فالسعوديون يتغنون بالصندوق السيادي والعالم يتغنى به وبالنظام الاقتصادي النرويجي.

والصندوق والنظام قائم على الضرائب الهائلة. فهل نتيجة الضرائب تستحق ذلك أم لا.

فالنتيجة هو أن النرويجي من أقل الشعوب الأوربية عملا، فهو يعمل 30 ساعة في الأسبوع فقط. والنتيجة أنك لا تسمع بأي شركة نرويجية عملاقة أو متميزة، كما هو المتوقع ليناسب التطبيل للنموذج الاقتصادي النرويجي.

والنتيجة كذلك أن مجموع دين العوائل النرويجية يصل إلى 90% من الناتج المحلي (أمريكا 75%)، بينما يصل دين العائلة السويدية إلى 200% من دخلها السنوي وهذا مرتفع بجميع المعايير الدولية، (أمريكا 100%).

والنتيجة أن الدين الحكومي يصل إلى 35% من الناتج المحلي بينما يصل دين البلاد الخارجي إلى قيمة مقاربة لصندوقها السيادي.

فالدين الخارجي للبلاد يصل إلى 700 مليار دولار.

والنتيجة أن النرويج من أعلى البلاد قاطبة في التضخم. فالسلع العامة فيها -التي يستهلكها رجل الشارع- تبلغ على الأقل ضعف قيمتها في أمريكا.

فلنبدأ أولا بالسعوديين الذين يتغنون بالاقتصاد النرويجي وصندوقها السيادي. فلنسألهم:

هل فرض الضرائب الهائلة على الشعب بما يوازي ضعف قيمة البترول هو خيار مستحبذ لديهم، وما يلحق ذلك من تضخم وتقييد حريات إنفاق الأموال؟

فالشعب النرويجي في الواقع ليس لديه خيارات واسعة في اختيار طريقة صرفه واستمتاعه بأمواله.

فالاقتصاد النرويجي اقتصاد مركزي هو أقرب ما يكون حقا للاقتصاد الشيوعي ، ولولا البترول لما كان لهذا النموذج أن يستمر.

فالضرائب العالية مع الخدمات الحكومية الكاملة ساوت بين الناس فقضت على همم الطموحين منهم. وهذا نحن نشاركهم فيهم ولكن بصورة أخرى.

كما نشاركهم في هروب الأثرياء إلى الخارج للتخلص من الثقافة الخانقة.

وبشكل عام، البلاد الاسكندنافية طارت فيها الأقلام لأنها نوعا ما تشكل اشتراكية ناجحة. فالاشتراكية تقتل الإبداع والطموح ولكنها تساوي بين الناس.

فإذا أضفت إليها ديمقراطية وعدالة وشفافية مع ثروات كالبترول، صارت نموذجا جميلا لكنه ليس مستديما ولا يمكن لكل بلد تقليده.

وهذا لا يعني أننا أفضل من النرويج، فهدر الفساد عندنا وحجم الفقر لا يقارن بهم.

فهم لافقر عندهم لأنهم لافساد عندهم.

ولو كان عندهم فساد كفسادنا، لكانت النرويج من أفقر الدول.

ونحن من أعلى الدول ادخارا بعكس النرويج. فلماذا يهيج علينا صندوق النقد وغيره ولا يفعل شيئا مع النرويج وكلانا متعرض لآثار أسعار البترول وكلانا قائم اقتصاده على البترول والغاز.

السبب والله أعلم ليس اقتصاديا ولكن إنسانيا.

فارتفاع الادخار المحلي عندنا بسبب كثرة الفقراء الذين حرموا، وانخفاض الادخار عندهم والضرائب بسبب ارتفاع مستوى المشاركة الاجتماعية والإنسانية في المجتمع النرويجي.

ولهذا ترى البطالة في النرويج حول 3%رغم الفوائد والمزايا الكبيرة التي يحصل عليها العاطل، التي لو طبقت في بلادنا لما عمل أحد.

والحياة في الدين (القرض) مع التملك وترك الثروة خير من العيش بلا دين ولكن على أجرة، تستهلك عمر الإنسان بلا ملك ولا ثروة يخلفها لذريته.

فالاستشهاد بالنرويج الصحيح يكون في الإنسانية أو الاستشهاد بأثر الفساد على ارتفاع مستوى الطبقية كالذي عندنا، ولا يستشهد بالنرويج علينا بنظامها الاقتصادي.

ورغم القيود الاقتصادية، إلا أن النرويجي من أسعد البشر.

تماما كالأمريكي الراضي بكونه أكثر الشعوب تعرضا للسجن.

فالعدالة والمساواة والنظام لا يعود إلا برضا الناس.

الشعب النرويجي سعيد لأنه من أكثر الشعوب تعاونا بينهم وتراحما، وجاءهم البترول فأعانهم على ذلك. فنموذجهم الاقتصادي يصلح لهم لا لنا، لأنه أعانهم على الحفاظ على ثقافتهم المتراحمة بينهم. .

فالبترول صنع إنسانية النرويج وأعان عليها، والبترول صنع الفساد والتحاسد عندنا. فلهذا فاهم يافهيم لماذا يبجل الغرب النرويج دوننا.

نقلا عن الجزيرة