لمن يظنون أن الاقتصاد السعودي سيعود كما كان، فيقيني أنهم واهمون، فما «كان» هو حالة غير طبيعية لم يكن ممكنًا أن يكتب لها الاستمرار، ولكن الأهم هو التعامل الجاد مع المرحلة المقبلة على أنها مرحلة واقعية ومستمرة وليست مرحلة «مؤقتة» أو فترة «تصحيحية» حتى تعود الأمور كما كانت عليه في السابق، هذا لن يحدث.
السعودية مقبلة على إعادة هيكلة إصلاحية في قواعدها الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل لن يكون ديباجة يتم ترديدها وتوضع في خطط التنمية، بل سيكون عنصرًا فعالاً مؤكدًا في الدخل الوطني.
هكذا تؤكد المؤشرات الجديدة التي يتم تداولها، ويبدو أيضًا أن هناك توجهًا جادًا في تحرير وفتح الأسواق السعودية لجذب الاستثمارات الدولية إليها مع كتل مهمة حول العالم لها مزايا تنافسية، وكذلك الانفتاح بقوة على قطاعات واعدة كالتعدين والقطاعات المالية والحج والعمرة.
ليس سرًا أن هناك حالة قلق لدى شريحة من السعوديين بسبب هبوط أسعار النفط لمستويات متدنية في فترة قياسية، وهم يعلمون مدى اعتماد بلادهم على هذه السلعة اقتصاديًا وبالتالي هم يراقبون تطور أدائها بشكل واضح ومستمر.
والواقع «الجديد» يقول إن السعر المرتفع للنفط أصبح شيئًا من الماضي، وعلى أكثر التقديرات تفاؤلاً لن يكون من الممكن ولا المعقول عودة الأسعار المرتفعة بالشكل الذي كانت عليه في السنوات الماضية، والتحدي الأهم والأكبر للدولة اليوم التي تبلغ نسبة من هم دون الخمسة والعشرين من العمر أكثر من 40 في المائة من عدد السكان الإجمالي، وهم كلهم يبحثون عن العمل المشرف والكريم، وكانوا في السابق يسعون بشكل أساسي إلى تأمين الوظائف في المرافق الحكومية، وهذا اليوم بات شبه مستحيل في ظل تقشف في الإنفاق وترشيد الصرف بكل أوجهه.
التحدي اليوم هو إيجاد آلية نافذة وفعالة وحيوية لتوليد الوظائف، وهو ما تم عمله في شكل تشريعي ومؤسساتي مؤخرًا، ولكن التحدي الأهم هو فعلاً في الثقافة والفكر، وهما كلمتان لقيتا كثيرًا من السخرية والتعليقات بعد تصريح وزير الإسكان مؤخرًا بأن المشكلة المتعلقة بالسكن هي مشكلة فكر.
وبعيدًا عن التعليق على هذا التصريح المحدد بعينه، ففعلاً اليوم يبدو جليًا أن المشكلة الأهم المتعلقة بالاقتصاد السعودي هي مشكلة «فكر»، فالتفكير في تطويره وبناء على الأسلوب والتوجه والرؤية القديمة لم يعد ممكنًا، فالمنافسة الإقليمية أصبحت قوية جدًا ولا يمكن الاستهانة بها أبدًا، بل هي أول ما يخطف الشركات السعودية نفسها إليها، وعليه فإن الاعتقاد بأن البساط الأحمر سيفرش للمستثمر الدولي وسيكون كافيًا للوصول إلى السوق السعودية دون إزالة كاملة للبيروقراطية والروتين الذي يحد ويحجب فرص الدخول إلى السوق السعودية، سيكون مخطئًا ومضللاً.
من غير المعقول أن يكون اللوم في التقصير على عدم أداء المشاريع والرؤى من قبل بعض الجهات من دون المساءلة إذا تسلمت هذه الجهات ميزانياتها من وزارة المالية فعلاً.
الرؤية الجديدة للسعودية في تحديها الاقتصادي يجري الإعداد لها الآن بجدية، ولن يكون من المقبول أن تحمل في طياتها أيًا من عقبات وتعقيدات زمان التي كانت الأمور فيها من السهولة أن نتحمل تبعاتها.
لقد تغير الزمان وتبدلت الظروف واختلفت التحديات، وهنا تكمن معضلة «الفكر» المطلوب تغييره.
نقلا عن الشرق الأوسط