لا توجد أزمة سكن في المملكة.. إنما توجد أزمة دخل!

21/02/2010 14
محمد القويز

ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عما يسميه البعض «أزمة السكن» (أي عدم قدرة البعض على تملك مساكنهم)، حيث لا تخلو المسألة من تحليل لأسبابها (من ارتفاع أسعار العقار ومواد البناء، وعدم توافر التمويل، وغيرها)، والبحث في سبيل التصدي لها (والتي كثر فيها الحديث عن مشروع الرهن العقاري كأبرز الحلول).

ولكني أرى أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير فحسب إحصائيات وزارة العمل لعام 2008 يبلغ متوسط رواتب جميع المواطنين السعوديين العاملين بالقطاع الخاص (البالغ عددهم حوالي 830 ألف شخص) 3601 ريال. الآن دعونا نجري حسبة بسيطة لنرى ما يمكن لشخص بهذا الراتب أن يحصل عليه كمسكن حتى لو كان بإمكانه الحصول على تمويل فلو افترضنا أن أقصى مدة مسموح بها لتمويل مسكن هو 30 عاما، وأن أكبر قسط يمكن للشخص تحمله هو ثلث راتبه (أي حوالي 1200 ريال شهرياً)، ولو افترضنا أن الربح التناقصي على التمويل يبلغ 8 في المائة سنوياً (بالرغم من أن معظم جهات التمويل تفرض نسباً أعلى ولكنها تخفيها عن طريق الحديث عن نسبة الربح الثابتة التي تغرر بالسامعين)، فبعملية حسابية يمكن حساب أقصى سعر لمنزل يمكن لهذا المواطن تحمله، وهذا السعر هو 163540 ريالا. فمتى ما تعدى السعر هذا الحد فإنه يصبح خارج منال السعودي الذي يحصل على هذا الدخل المتوسط. والكل يعلم أن المساكن بهذا السعر غير موجودة في السعودية، إلا في حدود بعض القرى والأحياء الشعبية، أو إذا أصبح في المنزل الواحد أكثر من مُعيل. لذا فالتمويل والرهن العقاري قد يحل مشاكل البعض لكنه لن يتطرق للمشكلة الرئيسة وهي عدم التكافؤ بين متوسط مداخيل السعوديين (خصوصاً العاملين بالقطاع الخاص) وتكلفة سكنهم. وبالطبع مثالنا السابق كان لشخص يجني ما اعتبرته وزارة العمل «متوسط» الدخل، فما بالك بالشخص في الحدود الدنيا من الدخل؟

في ظل هذه الأرقام، هناك عدد من الاحتمالات:

الاحتمال الأول: قد تكون إحصائيات وزارة العمل عن متوسط مداخيل السعوديين في القطاع الخاص خاطئة، وأنها بالفعل أعلى من ذلك. وفي هذا الصدد لا يوجد لدي المعلومات الكافية أو الخبرة الإحصائية اللازمة لفحص صحة هذا الاحتمال، لذا سأترك أمره للإخوة في وزارة العمل وفي مصلحة الإحصاءات العامة. كما أني أود أن يتم الإعلان كذلك عن متوسط مداخيل موظفي القطاع العام ليتم المقارنة بينهم وبين موظفي القطاع الخاص للوصول إلى نتيجة شمولية للمجتمع السعودي كافة.

الاحتمال الثاني: قد تكون أسعار العقار لدينا في المملكة مرتفعة بالمقارنة بدول العالم الأخرى. في هذا الصدد لا شك أن الأسعار قد ارتفعت في الآونة الأخيرة، ولكن من أفضل المعايير لقياس الأسعار على معيار عالمي بمقارنة متوسط سعر المتر المربع في أي دولة مع إجمالي الناتج المحلي للفرد في الدولة نفسها، وذلك بافتراض أن الدولة الأغنى ينبغي أن تكون أسعار العقار فيها أعلى، والعكس صحيح. وبهذا المفهوم، فإن الهند تعد من أغلى دول العالم بسعر العقار حيث أن سعر المتر في أكبر مدنها (مومباي) يقارب 4 أضعاف إجمالي الناتج المحلي للفرد. وهذه النسبة تبلغ متوسط 30-40 في المائة في معظم الدول (بناء على إحصاءات يجريها موقع جلوبل بروبرتي جايد). أما في السعودية، فهذه النسبة تبلغ 4 في المائة مما يجعلها في ذيل قائمة الأسعار، وذلك بافتراض سعر 3000 ريال للمتر المسطح (أي سعر متر مربع من مسطحات المسكن والتي تشمل سعر الأرض وسعر المواد والتشطيب)، وبافتراض إجمالي الناتج المحلي للفرد الذي يبلغ حوالي 74,000 في السعودية. وبناء على هذه الحسبة، فإن معدل أسعار العقارات في السعودية، وإن كان ارتفع في الأعوام الماضية إلا أنه لا يزال منخفضاً بالمقارنة بالدول الأخرى وبعد أخذ إجمالي الناتج المحلي للفرد بالاعتبار.

الاحتمال الثالث: وهو أن رواتب ومداخيل المواطنين السعوديين منخفضة جداً (وخصوصاً في القطاع الخاص) إذا ما قورنت بتكاليف المعيشة والسكن وبإجمالي الناتج المحلي للفرد. وهذا هو الاحتمال الذي أميل له من بين غيره ففي معظم دول العالم نجد أن إجمالي الناتج المحلي للفرد يكون قريباً جداً من الدخل أو المرتب الفعلي الذي يحصل عليه الفرد، حتى أطلق عليه البعض مجازاً مصطلح «متوسط دخل الفرد»، أما في المملكة فإننا نجد أن المتوسط الفعلي للرواتب في القطاع الخاص يكاد لا يبلغ 22 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للفرد. وحتى لو استثنينا الموظفين غير السعوديين فإن هذه النسبة تظل دون 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للفرد. هذا يؤيد الرأي أن معدل الأجور في المملكة منخفض إذا ما قورن بإجمالي الناتج المحلي للفرد أو بتكلفة السكن والمعيشة.

من العرض الوارد بعاليه يتضح أنه لن يمكن حل مشكلة السكن في السعودية دون التصدي لظاهرة تدني الأجور. وإذا ما تم معالجة هذه الإشكالية فإنها ستشكل خطراً محدقاً نظراً لغياب الارتباط بين الأجور ومتطلبات السكن والمعيشة.