يجب ألا ننفض أيدينا من بلدان «بريكس»

19/11/2015 0
محمد عبد الله العريان

قرار جولدمان ساكس الأخير دمج صندوقه لبلدان بريك في صندوق أسواق ناشئة أوسع لا يعني أن فكرة تجميع اقتصادات البرازيل وروسيا والهند والصين تحت فئة واحدة هي فكرة لم تعد مفيدة.

بدلا من ذلك، هذه الخطوة تعتبر تذكيرا جاء في الوقت المناسب بأن المفاهيم السليمة من الناحية التحليلية لا تحتاج دائما أن تُتَرجَم إلى مناهج استثمارية دائمة - ولأسباب وجيهة.

وُضع مفهوم بريك في عام 2001 من قبل جيم أونيل، الذي كان في ذلك الحين كبير الاقتصاديين في جولدمان، ليعكس تأثير الأهمية المتزايدة من الاقتصادات الناشئة الأربعة. هذا المفهوم ضم معا مجموعة من البلدان ذات الكثافة السكانية العالية (التي يبلغ مجموع سكانها ما يقرب من 3 مليارات نسمة) التي قد لا تشهد فقط تغييرات داخلية كبيرة ولكن لديها أيضا تأثير متزايد على الاقتصاد والأسواق العالمية ككل.

كان أونيل على حق، وبمعنى واسع النطاق إلى حد كبير.

مفهوم البريك الذي أتى به أونيل يشير إلى نضج اقتصادي ومالي أوسع بكثير في بلدان الأسواق الناشئة: خلال أقل من عقد من الزمن، انتقلت هذه الاقتصادات من كونها تعصف بها الأزمات المالية المحلية والانهيارات الاقتصادية (بما في ذلك الأزمة الآسيوية 1997-1998، والإعسار الروسي عام 1998، وشبه إعسار البرازيل في عام 2002) لتأخذ مكانها باعتبارها محركات قوية للنمو العالمي، كما أنها لعبت دورا حاسما في انتشال الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية لعام 2008.

لكن في الآونة الأخيرة كان يغلب على اقتصادات هذه البلدان أن تعاني. البلدان الأربعة جميعا تعاني من انخفاض معدلات النمو، حيث إن الأضعف من بينها (البرازيل وروسيا) هما في حالة ركود.

وقد مرت جميعا، عدا الهند، من خلال نوبات ملحوظة من عدم استقرار الأسواق المالية الداخلية. شهدت البرازيل وروسيا أيضا انهيارا في عملاتها عمل على زعزعة الاستقرار في الاقتصاد.

مما لا شك فيه أن جزءا من هذا الارتداد الاقتصادي والمالي كان سببه تناقضات السياسة الداخلية، وضعف المؤسسات، وفي حالة روسيا، التدخلات الإقليمية المكلفة (مثل تدخل روسيا في شرق اوكرانيا) التي أدت إلى العقوبات الاقتصادية.

عمل مساهم آخر هو التحدي الذي نشأ - بالنسبة إلى العديد من البلدان، بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة - بسبب الاعتماد المستمر للبنوك المركزية الكبرى في العالم على سياسات تجريبية ليست مناسبة سوى جزئيا لهذه المهمة في السياسة الاقتصادية والتي لها تداعيات غير مباشرة كبيرة بالنسبة لبقية العالم.

في ظل هذه الظروف، الصندوق الاستثماري التقليدي الذي يعتمد فقط على ارتفاع الأسعار، والذي يركز على بلدان البريك الأربعة، حتما سيجد صعوبة في تحقيق عوائد استثمارية مرضية، ناهيك عن عوائد فائقة تكون معدَّلة بحسب المخاطر.

وفي الوقت الذي يتضح فيه هذا، فإن كثيرا من المستثمرين يسعون بطبيعة الحال إلى فرص أخرى، مما يؤدي إلى انخفاض في أصول الصندوق ومزيد من التحديات لتعاملات المحافظ.

ولأسباب تتعلق بالاستثمار والأعمال على حد سواء، اتخذ جولدمان القرار الصحيح عن طريق دمج صندوقه بريك مع عروضه الأوسع للأسواق الناشئة.

ومع ذلك تبقى هذه البلدان مصدرا هاما للطلب الخارجي بالنسبة لكثير من البلدان الأخرى. فهي تستمر في اقتناء احتياطيات دولية كبيرة تستثمر في الغالب في الأوراق المالية التي تصدرها البلدان المتقدمة، بما في ذلك السندات الحكومية.

وسواء مرت هذه البلدان في حالات من الطفرة أو الانهيار، تبقى أهميتها عبر الحدود قضية حياة اليوم (لاحظ مثلا أن الخوف من تباطؤ النمو في الصين، وهو خوف اشتد بشكل خاص في أغسطس، أدى إلى عدم استقرار كبير في الأسواق العالمية واضطر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تأجيل قراره برفع سعر الفائدة).

الواقع أن مفهوم البريكس (الذي توسع ليشمل جنوب أفريقيا قبل بضع سنوات) أصبح ملحوظا أكثر لان هذه البلدان تبدي استعدادا متزايدا للتصدي لنظام عالمي تعتبره خاضعا لهيمنة مفرطة (وغير مبررة) من قبل أوروبا والولايات المتحدة.

وحين تفشل مرارا في العمل مع القوى الأخرى لإدخال تغييرات معقولة - مثل الإصلاحات التي طال انتظارها (ولا تزال مؤجلة) بخصوص الحوكمة، ومستوى تمثيل البلدان، وبعض الممارسات التي تتحكم بجنسيات المسؤولين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - فهي لم تعد تتردد في متابعة التغيير عن طريق إنشاء مؤسسات جديدة (البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية)

حتى لو كان جولدمان ساكس على حق في إعادة تعريف صندوقه، لا تزال فكرة البريك حية إلى حد كبير. إذا كان ذلك يعني أي شيء، فإن أهميته التحليلية وسياسته ستزيد في السنوات المقبلة.

نقلا عن اليوم