مالذي نحتاج معرفته عن تصنيف S&P الأخير

16/11/2015 2
صالح على الصبي

أثارت عملية إعادة تقييم وكالة ستاندردز أند بورز (S&P) للتصنيف الإئتماني للمملكة العربية السعودية, العديد من ردات الفعل الإعلامية والرسمية (متمثلة في رد وزارة المالية وتصنيف موديزMoody’s -) في التعاطي مع تخفيض التصنيف الإئتماني بدرجة واحدة و النظرة المستقبلية إلى سلبية مما قد يؤثر على سمعة المملكة الإقتصادية لدى المستثمرين من ناحية قدراتها المالية على الوفاء بالإلتزامات.

سأحاول في هذا المقال تبسيط المشكلة قدر المستطاع, دون الخوض في تفنيد لوجهة نظر أو إثبات لأخرى خصوصاً و هذه المسائل الإقتصادية ذات تأثير كبير والوكالة تعد أحد الثلاثة الكبار المتخصصة في عمليات التصنيف الإئتماني عالمياً.
 
كما أن الحراك الإعلامي الغير معتاد من وزارة المالية في الرد وإبراز التصنيفات الأخرى كفيل بإيضاح أهمية وخطورة مثل هذه التقييمات و إنعكاساتها على الدول.

بداية من المهم أن نعرف لماذا وجدت وكالات التقييم الإئتماني و لمن تقدم خدماتها.

يمكن تبسيط مهمة وكالات التصنيف الإئتماني بالقيام ببحث موضوعي و مستقل قائم على أسس مالية عن طريق التحليل الكمي و الإستقراء النوعي أو الكيفي وقد يكون مشتملاً على معلومات غير مطروحة للعامة وإجابات على إستفسارات وإيضاحات لوكالات التصنيف بغرض الوصول إلى نتيجة تصنيف تحدد مدى قدرة الجهة/المنتج التي يتم تصنيفها (حكومات أو شركات أو منتجات مالية) على أداء إلتزاماتها المالية.
 
تستخدم هذه التصنيفات من قبل المستثمرين (حكومات أو شركات أو أفراد) لتحديد مستويات المخاطرة في الإستثمار و من ثم القيام بالإحتياطات اللازمة من ناحية رفع مستوى فائدة القروض أو تحديد مقدار سيولة المخاطرة و غيرها.

ومع الإنفتاح الإقتصادي العالمي في العقود الأخيرة و تداخل المعطيات الإقتصادية و رغبة المستثمرين في تنويع الإستثمارات للتحكم بمستوى المخاطر زادت أهمية وكالات التصنيف الإئتمانية وتوسعت أنشطتها لتغطي أغلب دول العالم.
 
وتختلف أدوات التصنيف بحسب طبيعة الجهة/المنتج التي يتم تصنيفها, حيث يتم النظر للمعطيات السياسية والموارد الطبيعية والتغييرات الإقليمية وغيرها من الجوانب في حالة تصنيف الدول بينما يتم النظر للقطاعات والسلع وأثر أسعار صرف العملات وأنظمة الضرائب فيما يخص الشركات وخلافها من الأساليب والأدوات المستخدمة.

تستحوذ ثلاث وكالات على ما يقارب 95% من إجمالي سوق التصنيفات الإئتمانية نظراً لسعة قبولها في البنوك المركزية و تقبل المستثمرين لتقييماتها وهي Fitch – فيتش و S&P – ستاندردز أند بورز  و Moody's – موديز, ويمكن تبسيط تصنيفاتها و أوصافها في الجدول التالي:



ولعل أكثر ما يثير التساؤولات هو توقيت إعلان تغيير التصنيف السيادي للملكة و ما تلاه من تخفيض و تحفظ في تقييم القطاع المالي في المملكة وبعض الشركات الأخرى من قبل نفس الوكالة وفي فترة وجيزة من الإعلان. 
 
تبرير الشركة لتخفيض التصنيف اعتمد بشكل كبير على تأثر الإحتياطيات و الموقف المالي نتيجة لإنخفاض أسعار النفط بشكل كبير خلال العام المالي مما استدعى الوكالة لإعادة تصنيفها.

غير أن الغريب في الأمر أن الوكالة في حالات سابقة قامت بتخفيض التصنيف لعدد من الدول المعتمدة بشكل كبير على النفط و منتجاته في مداخيلها مثل فانزويلا وكازاخستان وعمان والبحرين, بينما كان التركيز في هذه الفترة فقط على المملكة وشمل أيضاً شركات أخرى خارجة عن تأثير القطاع النفطي من القطاع المالي وهو المستفيد الأول من السندات الحكومية المصدرة والتي تم الإعلان عنها خلال العام المالي.
 
وحتى في حالة كون المتغيرات السياسية في المنطقة لعبت دوراً في إعادة التقييم فإن الإنعكاسات لهذه المؤثرات يستدعي مراجعة تصنيف العديد من الدول في المنطقة وهو مالم يحدث!

حيث يمكن ملاحظة تصنيف المملكة ضمن فئة إستثمارعالي الموثوقية بإسثناء S&P حيث تم التخفيض لفئة إستثمار متوسط إلى عالي الموثوقية, مع نظرة مستقبلية سلبية بإستثناء Moody’s حيث غلبت الإستقرار وهو مهم جداً لقرب تصنيفها من الحد الأدنى للفئة الحالية.
 
وبالإجمال يمكن ملاحظة موقع المملكة القوي بفضل الله, من ناحية قوة الإقتصاد مع الإقرار بالضغوطات الناتجة من الإعتماد على النفط و منتجاته كمصدر أساسي للدخل و الحاجة إلى تسريع عجلة النمو في الإقتصاد المحلي لتخفيف الضغط على المصروفات الحكومية.

ويلخص الجدول التالي التصنيف السيادي لأعلى 30 دولة, بحسب المصدر:
 

 Country

S&P

Moody's

Fitch

TE

Outlook

Liechtenstein

AAA

stable

 

 

 

 

100

stable

Luxembourg

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

100

stable

Switzerland

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

100

stable

Canada

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

99

stable

Denmark

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

99

stable

Germany

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

99

stable

Sweden

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

99

stable

Finland

AA+

negative

Aaa

negative

AAA

negative

98

negative

Netherlands

AA+

positive

Aaa

stable

AAA

stable

98

positive

Norway

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

98

stable

Australia

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

97

stable

Singapore

AAA

stable

Aaa

stable

AAA

stable

97

stable

United States

AA+

stable

Aaa

stable

AAA

stable

97

stable

Austria

AA+

stable

Aaa

negative

AA+

stable

96

stable

European Union

AA+

negative

 

 

 

 

95

negative

Isle of Man

 

 

Aa1

stable

 

 

95

stable

Hong Kong

AAA

stable

Aa1

stable

AA+

stable

94

stable

United Kingdom

AAA

negative

AA1

stable

AA+

stable

94

negative

Kuwait

AA

stable

Aa2

stable

AA

stable

90

stable

United Arab Emirates

AA

stable

Aa2

stable

AA

stable

90

stable

France

AA

negative

Aa2

stable

AA

stable

89

negative

New Zealand

AA

stable

Aaa

stable

AA

positive

89

stable

Belgium

AA

stable

Aa3

stable

AA

negative

88

stable

Macao

 

 

Aa2

stable

AA-

stable

88

stable

Qatar

AA

stable

Aa2

stable

AA

stable

87

stable

Saudi Arabia

A+

negative

Aa3

stable

AA

negative

86

negative

Cayman Islands

 

 

Aa3

stable

 

 

85

 

South Korea

AA-

stable

Aa3

positive

AA-

stable

83

stable

Estonia

AA-

stable

A1

stable

A+

stable

81

stable

Taiwan

AA-

stable

Aa3

stable

A+

positive

81

stable

 
بالنظر إلى الماضي القريب, يمكن ملاحظة تورط وكالة S&P في العديد من القضايا الشائكة دون غيرها من الوكالات, مثل التغرير بالمستثمرين و تقديم معلومات مغلوطة والتواطء مع البنوك لرفع تقييم سندات الرهن العقارية و غيرها مما أدى إلى ظهور الوكالة بشكل غير لائق أو متناسق مع مجال عملها في تقديم أبحاث مستقلة قائمة على أسس سليمة و دفاعها في القضايا بأن ما تقدمه هو مجرد رأي غير ملزم و أنها غير ملتزمة قانونياً بإصدار تصنيفات موضوعية أو مستقلة!
 
ولعل هذا منطقي حيث أن الوكالة مؤسسة ربحية كغيرها من المؤسسات تخضع لسلطة المال و التوجهات الشخصية و السياسية, و لذلك فقد خسرت الوكالة الكثير من سمعتها نتيجة لتورطها في هذه القضايا بل وقبولها بالتسوية بملغ يزيد عن 1.4 بليون دولار نتيجة عن دورها في الأزمة المالية عام 2008م. 
 
يضاف إلى ذلك, خطأها الكبير في تبرير تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة الأمريكية في 2011م و ما أعقب ذلك من هجوم عنيف من وزارة الخزانة  لوجود أخطاء أساسية في التقييم بمبالغ تفوق 2.1 تريليون دولار أقرت بها الوكالة فيما بعد, ثم رفضت مراجعة التصنيف مما أدى إلى فقدان قطاع كبير من المستثمرين للثقة في الوكالة ولعل تصريح المستثمر الشهير وارين بفيت بأن التصنيف أثر على ثقته في الوكالة أكثر من تأثيره على ثقته في تصنيف الولايات المتحدة, يلخص سمعة الوكالة لدى شريحة من كبار المستثمرين.
 
من وجهة نظر شخصية فإن توقيت الوكالة للإعلان المتوافق مع الجولة الترويجية للسوق المالية السعودية حول العالم, إضافة إلى سرعة مراجعة التصنيف السيادي للمرة الثانية خلال العام المالي من قبل S&P وما تلا ذلك من إعادة تصنيف للقطاع البنكي و كبرى الشركات أبعد ما يكون عن السلوك الطبيعي لوكالات التصنيف المعتمدة أساساً على التحوط خصوصاً مع التغيرات الإقتصادية العالمية. 
 
لكن فيما يبدو أن الوكالة أرادت المراهنة على انخفاض أسعار النفط و منتجاته على المدى المتوسط, و بالتالي فهي مغامرة محسوبة المخاطر نسبياً في ظل عدم وضوح الصورة عن السوق النفطية ولا يوجد أفضل من تحدي المؤثر الأكبر في السوق النفطية للحصول على التغطية الإعلامية الكافية وتصدر عناوين الأخبار والمقالات المتخصصة و غير المتخصصة. 
 
إضافة إلى ما ألمح له بيان وزارة المالية من ناحية عدم وجود علاقة معS&P وظهور هذا التصنيف كردة فعل متسرعة.

لكن من باب الانصاف فمن غير المنطقي ما يتم ممارسته من نسف مجمل لموثوقية احدى اكبر وكالات التصنيف حول العالم؛ كما ان التسليم المجمل لا يتسق مع الحقائق المعلومة من انخفاض نسبة الدين للدخل العام في المملكة وكون النظام المالي قوي ومتحفظ بشكل كبير ويمتلك احتياطات كافية لتسيير أعمال الدولة لسنوات خصوصاً مع وجود خبرة في التعامل مع أسعار النفط المنخفضة خلال التسعينات، يضاف إلى ذلك التوقيت الغريب والانتقائي المتنافى مع الأسس الموضوعية التي تلتزم بها الوكالة.

ولعلي ألخص المقال, بأن تخفيض التصنيف و النظرة المستقبلية إن كان مزعج نوعاً ما, فهو جرس تنبيه لواقع معلوم و كلنا أمل بإذن الله أن يحقق اقتصادنا تحسناً نوعياً يقينا شر تقلبات السلع النفطية ويمثل رافداً مستداما للتنمية في المملكة, ولعل الحراك الإقتصادي الأخير المتمثل في تنظيم رسوم الأراضي البيضاء ونظام الشركات الجديد ورفع كفاءة الميزانية القادمة يوضح الخطوات الجادة بإتجاه إصلاح بعض مواطن الضعف الإقتصادي.