يشكّل ارتفاع استهلاك الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، واحداً من أهم التحديات للدول الأعضاء. فما هو واقع هذه الأسعار وأثرها، والنتائج المترتبة على اقتصادات الدول النفطية، والحلول الممكنة لمعالجة الخطر المحدق؟
هذه هي بعض المواضيع التي عالجها التقرير الأول الصادر عن «مؤسسة عبدالله بن حمد العطية للطاقة والتنمية المستدامة»، التي تأسست في الدوحة الأسبوع الماضي، وينبثق منها أول معهد بحوث طاقوي عربي من نوعه.
فهو خاص وغير هادف الى الربح ومتخصص بشؤون الطاقة المستدامة، ومقره الدوحة. ويعكس أول عمل بحثي مجال اهتمام المؤسسة والمستوى العالي للبحوث التي ستصدر عنه.
يذكر أن المؤسسة تشكل أول مسؤولية بعيدة من القطاع الحكومي لعبدالله بن حمد العطية، وزير الطاقة والصناعة القطري السابق، الذي شغل مناصب رسمية عليا في بلاده وفي «أوبك» طوال العقود الأربعة الماضية، حيث أشرف على نمو القطاع البترولي وتطويره، بخاصة الصناعة الغازية، لتصبح قطر أكبر دولة ذات طاقة إنتاجية للغاز المسال عالمياً.
تشرح الدراسة الدوافع لارتفاع استهلاك الطاقة في الخليج. وتشير في هذا الصدد، الى التركيز على سياسات التنمية الوطنية في الأيام الأولى للنفط، حيث شكلت الطاقة الرخيصة تفاصيل نمو المجتمعات الجديدة وبناء الأحياء وتصاميمها، ثم الولوج في الاستثمارات في البنى التحتية والاقتصادات المحلية والاندماج في الاقتصاد العالمي.
لكن استمرت ظاهرة الطاقة الرخيصة بعد تحوّل دول الخليج الى منطقة غنية. بمعنى أن «دعم الطاقة عاش أكثر كثيراً من حياته المفيدة».
ما هي نتائج استمرار سياسة الطاقة هذه؟
هناك تكاليف توفير الكهرباء، وكذلك «تكاليف اللقيم المستخدم في توليد الكهرباء. ولا تزال السياسات الحكومية تعزل المستهلكين عن هذه التكاليف المتزايدة. واستمرت مستويات الاستهلاك في النمو، غير متأثرة بمؤشرات الأسعار. من جهة أخرى، أصبحت انبعاثات غازات الدفيئة في الخليج محطّ قلق عالمي، ومصدراً متنامياً للضغط الدولي على الحكومات».
كان استهلاك النفط في شبه الجزيرة العربية عام 1973 أقل من 1 في المئة من الطلب العالمي. وبعد 40 سنة، أصبحت دول الخليج التي تضم 0.5 في المئة فقط من سكان العالم، تستهلك 5 في المئة من نفطه، وازداد استهلاك الطاقة الأولية في العقد الماضي أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغ 2.5 في المئة سنوياً.
وازداد الاستهلاك في منطقة الخليج من 220 مليون طن من مكافئ النفط في 2001 مرتين تقريباً بحلول 2010، ويتوقع أن يرتفع مرتين تقريباً مرة أخرى بحلول عام 2020.
تعزى زيادات الاستهلاك غير الطبيعية الى تشجيع الاستثمارات الأجنبية من طريق خفض سعر الطاقة، والى محاولة القضاء على الفقر، وزيادة عدد السكان الأثرياء والهجرة العمالية العالية. لكن، بالنسبة الى المواطنين، شاع انطباع بأن دعم الأسعار هو مكرمة من الحكومة.
يشير التقرير الى أن متوسط نمو توليد الكهرباء بلغ 10 في المئة سنوياً منذ العام 1973، وتراجع الى 7 في المئة سنوياً بين 2000 و2010، وهو أسرع قليلاً من متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في هذا العقد البالغ 6.5 في المئة.
ويتدفق نحو 60 في المئة من الطاقة المولدة في دول مجلس التعاون من المحطات التي تعمل بالغاز، في مقابل 40 في المئة للوقود السائل مثل النفط الخام والديزل وزيت الوقود الثقيل.
ما هي الأخطار المترتبة على معدلات النمو هذه؟
ارتفع الطلب على النفط في دول مجلس التعاون بمعدل 9 في المئة سنوياً منذ العام 1973، فنما بوتيرة أسرع في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي. وكان استهلاك النفط الكلي في دول المجلس الست أقل من 500 ألف برميل يومياً في 1973، وأكثر من أربعة ملايين برميل يومياً في 2014.
ويؤدي هذا الازدياد في الاستهلاك المحلي من دون ما يوازيه من تقدّم اقتصادي إنتاجي، الى تقليص الصادرات والريع النفطي المتأتي منها.
تحذر الدراسة من أن الحكومات «عندما تمنح المواطنين استحقاقات الرعاية الاجتماعية، تزرع من دون قصد صراعاً في المستقبل بين الدولة والمجتمع».
وتضيف أن الأكاديميين يصفون الدعم «بأنه غير متماثل، فتطبيقه سهل والتراجع عنه صعب». وهذا ينطبق على أنواع الحكومات كلّها، من الأقل الى الأكثر ديموقراطية. «فالدعم يخلق فئات من المستفيدين الذين يأتلفون للدفاع عن مصالحهم، فيما إذا قررت الحكومة تقليص الدعم أو إلغائه».
استعملت الدراسة حالة إصلاح الأسعار في دبي عام 2011 كمثال للدعم والاستراتيجيات الحكومية المحتملة للإصلاح.
فبدلاً من قصر رفع أسعار الكهرباء والماء على المقيمين، كما هي الحال في أماكن أخرى من الإمارات، شمل الإصلاح هذه المرة المواطنين. وكان المواطنون الإماراتيون في دبي يدفعون ثلث سعر الكهرباء الذي يدفعه المقيمون.
تم العمل بهذه الإصلاحات في خضم الانهيار المالي العالمي الذي بدأ في 2008، والذي تبعه ركود سوق العقارات وانهياره.
كما واجهت حكومة دبي ارتفاع نفقات توليد الكهرباء بسبب استيراد الغاز الطبيعي المسال بأسعار السوق العالمية. فعلى ضوء هذه المؤشرات، «اتفق حاكم دبي مع مسؤولي السياسات على أن المواطنين في حاجة الى إشارات لكبح جماح سلوكهم الاستهلاكي، وأن أفضل طريقة لإيصال هذه الإشارات هي رفع الأسعار».
شجعت إصلاحات دبي تبنّي إصلاحات متواضعة في المناطق المجاورة. ويبقى الأمر المهم هو «الاعتراف بأن الكهرباء والماء سلع ثمينة حظيت حتى الآن بدعم كبير. ويعتبر فرض سعر تجزئة عليها، وإن كان لا يزال أقل من الكلفة الفعلية، خطوة نحو جعل المستهلكين يدركون أن الموارد الشحيحة تستحق الحفظ».
بمعنى آخر، إن السعر هو المؤشر الأساس في ردع الاستهتار الاستهلاكي. لكن المهم زيادته بتأنٍّ وفي الأوقات المناسبة، مع شرح أسباب تقليص الدعم.
نقلا عن الحياة