السياسة النقدية تحددها عوامل محلية ودولية

05/11/2015 1
عامر ذياب التميمي

يترقب العديد من الاقتصاديين رفع مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي سعر فائدة الحسم الخاصة بالدولار في وقت قريب، قد يكون قبل نهاية العام.

ويبدو أن المجلس الذي قرر أخيراً إبقاء السعر في حدوده المتدنية القريبة من الصفر، يشهد وجهات نظر متباينة بين مسؤولي لجنة السياسات فيه، وإن كانت غالبية الأعضاء ترى ضرورة الحفاظ على هذا المستوى لسعر الحسم، لأن الاقتصاد العالمي ما زال هشاً، ويمكن أن يؤثر فيه سلباً رفع سعر فائدة الحسم على الدولار، العملة العالمية، فيؤثر أي تراجع في الاقتصاد العالمي سلباً في الاقتصاد الأميركي.

لكن هناك من يرى أن الاقتصاد الأميركي يمر بفترة تحسن، إذ ترتفع معدلات النمو في قطاعات أساسية، بالإضافة إلى أن القدرة على خلق الوظائف ما زالت جيدة وفق إحصاءات الوظائف الجديدة التي تضاف إلى سوق العمل شهرياً وتساوي 200 ألف وظيفة تقريباً.

ويرى هؤلاء أن هذه التطورات الإيجابية يجب أن تعجل برفع معدلات التضخم التي تتطلب مواجهتها استخدام أدوات السياسة النقدية التقليدية ومنها رفع سعر الحسم.

وهناك من يتساءل حول قدرة الاحتياط الفيديرالي والمصارف المركزية عموماً على تعديل الأوضاع الاقتصادية من خلال السياسات النقدية.

صحيح أن استخدام آليات وأدوات التيسير الكمي أدى إلى تحسين الاقتصاد الأميركي خلال السنوات القليلة الماضية بعد أزمة 2008، كما أن الأوروبيين رحبوا بقرار المصرف المركزي الأوروبي القاضي باستخدام الآليات والأدوات ذاتها من أجل تحفيز النشاط الاقتصادي، لكنْ هناك تفاوت في النتائج بين بلد وآخر.

يفترض برفع سعر الفائدة أن يحد من قدرة رجال الأعمال والمستهلكـــين على الاقتراض، فيصبح التمويل مكلفاً، وبذلك تتراجــــع مستويات السيولة في الأسواق، بما يضع حداً على القـــدرات الشرائية وعمليات توظيف المال فيُضبط التضخم.

لكن واقــــع الحال يؤكد أن التضخم ظل منخفضاً منذ زمن طويل، علماً أن ســـعـــر الحسم يتراوح حول الصفر منذ نحو سبع سنوات. وهكذا يجد صناع السياسات النقدية أنفسهم أمام تحدي الانكماش.

ويرى المعارضون لرفع سعر الحسم أن المبررات التقليدية لم تعد قائمة وأن الاستمرار بالسياسات النقدية الميسرة سيساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات المقبلة.

ويرون أن تزايد أعداد الوظائف الجديدة لا ينفي أن كثراً من الأميركيين ما زالوا يواجهون مصاعب الحياة ومستويات المعيشة المتدنية، كما أن هناك العديد ممن يجدون صعوبات في العثور على وظيفة دائمة.

وعندما يطرح عدد من أعضاء لجنة السياسات في مجلس الاحتياط الفيديرالي وعلى رأسهم الرئيسة جانيت يلين، أن تعديل سعر الحسم قد يحصل قبل نهاية العام أو خلال الربع الأول من العام المقبل، تبرز تساؤلات حول إمكانيات اتخاذ هذا القرار المهم في ظل الحملات الانتخابية ورغبة الإدارة الديموقراطية الحالية في تحسين صورتها لدى المواطنين من خلال النتائج الاقتصادية، لتمكين مرشحها أو مرشحتها من الفوز بمنصب الرئيس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

وتمكنت إدارة أوباما من تقليص عجز الموازنة الفيديرالية بنسبة مهمة، إذ انخفض عجز السنة المنتهية في حزيران (يونيو) 2015 إلى 431 بليون دولار، وبنسبة 20 في المئة عن مستواه في حزيران 2014. ويعد ذلك أدنى مستوى للعجز في الموازنة الفيديرالية منذ 2009 عندما بلغ ما يقارب 1.4 تريليون دولار.

ويساهم الحفاظ على مستويات منخفضة للفوائد المصرفية في خفض التزامات الحكومة الفيديرالية التي عليها أن تدفع خدمة الدين العام من ضمن الموازنة.

ويبلغ الدين العام للحكومة الفيديرالية 18.2 تريليون دولار، أو 101 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وربما لا يكون هذا العامل مهماً وحاسماً عند تقرير سعر الحسم، لكن ربما يمثل أهمية إلى درجة ما لدى عدد من صناع القرار. وبتقديري أن أهم العوامل التي ستحدد التوجهات في الأسابيع والشهور المقبلة، هي عافية الاقتصاد العالمي وأهميتها للاقتصاد الأميركي.

ولا يمكن الزعم أن اقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي أصبحت متمكنة من تحقيق نمو مضطرد وأنها بدأت بخفض معدلات البطالة في شكل متسارع. فهناك تقديرات بأن الدول الـ 19 الأعضاء في منطقة اليورو قد تتمكن من تحقيق معدل نمو يعادل 1.3 في المئة هذا العام وربما يرتفع معدل النمو إلى 1.9 في المئة العام المقبل.

وهذا المعدل للنمو السنوي، إذا تحقق، يمثل تغييراً مهماً عن الأداء في 2013 و2014، حين كان معدل النمو -0.5 في المئة، و0.8 في المئة على التوالي.

لكن معدل البطالة ما زال مرتفعاً ويتراوح حول 11.2 في المئة، أما معدل التضخم فما زال سالباً هذا العام ويقدر بـ -0.1 في المئة ويمكن أن يرتفع إلى 1.3 في المئة العام المقبل.

كذلك تتطلب الأوضاع في الشرق الأقصى، أي اليابان والصين، التمعن، خصوصاً بعد تراجع معدلات النمو في الصين التي تحاول أن تحافظ على معدل نمو اقتصادي لهذا العام بحدود سبعة في المئة. لكن تباطؤ الاستثمار وتدفق الأموال قد لا يمكّن من تحقيق ذلك الطموح الرسمي.

وعملت الحكومة لدفع المصرف المركزي في الصين على خفض سعر الحسم إلى 4.35 في المئة من أجل حفز العمل الاقتصادي.

أما اليابان فما زالت تواجه المصاعب الهيكلية التي بدأت عام 1990 وكذلك تراجع معدلات النمو الاقتصادي. وهي تواجه منافسة في التجارة الدولية من جانب الصين وكوريا الجنوبية.

هذه الأوضاع في الدول الأساسية في منظومة الاقتصاد العالمي لا بد أن تتبوأ أهمية عند مراجعة السياسة النقدية من قبل مجلس الاحتياط الفيديرالي أو من قبل المصرف المركزي الأوروبي، من دون إغفال العوامل المحلية والتأثيرات السياسية التي يمكن أن تحدد ملامح تلك السياسة.

كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية

نقلا عن الحياة