الأراضي البيضاء ليست المرض بل «من» أعراضه

02/11/2015 0
زياد محمد الغامدي

عند الإمعان والتحليل في ظاهرة وجود الأراضي البيضاء في المدن، وبمساحات شاسعة، نجد انها نتاج مباشر لمنظومتنا الاقتصادية التي تعاني من ضعف القنوات الاستثمارية القادرة على توظيف الأموال، مما أدى لشراء الأراضي وإمساكها بغرض التنمية والحفاظ (على حد سواء) على ثروات الأفراد والمنشآت.

لا أعلم عن من يتملك الأراضي كهواية، ولا أعلم عن مستثمر فردا كان أو منشأة يرى الفرص الاستثمارية أمامه ويصد عنها لأنه بكل بساطة (يحب الأراضي)، ولنا في فقاعة الأسهم الأخيرة عام 2008 وما سبقها من صعود ملفت أدى إلى تدفق نقدي جر ركودا عقاريا كمثال واضح على ذلك.

شخصيا أنحى منحى متشددا في وجوب فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، وأرى ايضا ان تفرض رسوم على الأرباح الرأسمالية المتولدة من بيع الأراضي بمكسب، وأرى ان الرسوم يجب أن تأخذ منحى متضاعفا مع الوقت، وأعتقد ايضا انه أسلوب ناجح لأي محاولة للتكتل بغرض التأثير على أسعار الأراضي سلبا بما يعيق تنمية المساكن وبناءها وبسعر مقبول للساكن والمستثمر على حد سواء.

ولكن بدون ايجاد حل جذري لضعف القنوات الاستثمارية سنجد ان فقاعة العقار ستنتقل إلى قطاع آخر لتدمر ما به من ايجابيات، ولربما أدت في أسوأ الأحوال إلى هجرة للأموال بحثا عن الفرص الاستثمارية في العالم، في وقت ندعو فيه رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في بلادنا. الحقيقة ان الفقاعات الاقتصادية خطر حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة، تبدأ صغيرة، ثم تكبر شيئا فشيئا حتى تنفجر لتؤدي بعدها لتوزيع سلبي مقيت للأموال، ولتخلف وراءها المآسي.

ما تقوم به وزارة الإسكان محمود، فالتركيز على أن تكون جهة تشريع وليس جهة بناء مهم بل ومطلب.

ولكن القضية أكبر من وزارة الإسكان. لا بد أن تتضافر الجهود لبناء منظومة اقتصادية قادرة على استيعاب كم السيولة المتعطشة من ناحية، و(الخائفة) من ناحية أخرى.

فلا يعقل أن يكون العقار والأسهم هما الملاذان الوحيدان للسيولة، فليس كل الأفراد رجال أعمال ورواد أعمال وخبراء استثمار قادرين على توظيف أموالهم في مشاريع، ومن هنا لا بد من أن تفعل المؤسسات المالية دور الصناديق الاستثمارية ذات الهدف المحدد والتي تلبي الدرجات المختلفة لتقبل الأفراد والمنشآت للمخاطر.

فلا ينبغي أن تكون جل صناديقنا مخصصة للعقار والأسهم. أين الصناديق التقنية المتخصصة في المجالات الأخرى؟ لماذا لا تتوسع المؤسسات المالية في تأسيس صناديق الاستثمار الخاص على سبيل المثال، و صناديق الاكتتاب في اصدارات الشركات من الصكوك وغيرها الكثير ليس المجال هنا سرده.

تسريع خصخصة القطاعات العامة (مطارات، موانئ، طرق، خدمات بلدية.....) اسوة بالاقتصادات المتقدمة ضروري ورافد اقتصادي للدولة من ناحية، وستساهم في استثمار الأموال وتفعيل دور القطاع الخاص من ناحية أخرى، ولا مانع في طرح صناديق متخصصة في المشاركة في خصخصة القطاعات العامة.

كما ان اصدار السندات الحكومية ذات الآجال الطويلة مهم ويلبي حاجة المستثمرين ذوي الميل للمخاطر المتدنية. مجال الإصلاح لا ينتهي والتجارب الدولية الناجحة كثيرة جدا. أخذ ما يناسبنا يجنبنا كثيرا من التشوهات نحن في غنى عنها.

حفظ الأموال وتنميتها حق تكفله الأديان السماوية كافة، والشرائع الوضعية (السوية) كافة، دون ضرر أو ضرار. ولا ينبغي تصوير الرسوم على الأراضي البيضاء كشكل من الانتقام من (تجار التراب) أو (الجشعين) وغير ذلك من التوصيف الذي لا يمت للحقيقة بصلة، بل هو أداة لتحفيز تنمية وبناء الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني بما يمنع تشكل أي خلل بين قوى العرض والطلب وبما يحفز الابداع في تقديم الحلول السكنية الذكية.

وفي المقابل لا ينبغي ان يتصور أحد أن فرض الرسوم سيحل مشكلة تكون فقاعات سعرية تشوه اقتصادنا، فإلى ان يعاد تشكيل المنظومة الاقتصادية في بلادنا لتستوعب الأموال الهائلة الباحثة عن قنوات استثمارية مجدية، سنجد الفقاعات تتوالى من قطاع الى آخر، وسنجد انفسنا نلاحقها ناقدين وساخطين ومشاركين على حد سواء، فالسيولة النقدية نعمة لا بد من توظيفها باقتدار.

نقلا عن اليوم