تسعى دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر إلى تطوير قدراتها التنافسية، حيث تشهد هذه الدول عقد مؤتمرات ومناظرات لمناقشة هذا الموضوع، حيث استضافت سلطنة عمان قبل أيام فعاليات ملتقى عمان للتنافسية بنسخته الثانية والذي تضمن حلقات نقاشية طرحت أربعة محاور تفاعلية بمشاركة مسئولين من القطاع العام والخاص وذلك بهدف تلبية احتياجات المجتمع الحالية والمستقبلية، وتعزيز المزايا التنافسية للاقتصاد العماني والمساهمة في رسم معايير مستدامة للمجتمع، وحملت تلك المحاور عناوين «اختيار السياسة العامة قبل تطبيقها» و«تغيير ثقافة العمل في القطاع الخاص» و«الخدمات العامة وعملية اشراك المجتمع» و «الموظف الحكومي في القرن الحادي والعشرين».
ووفقا لتقرير التنافسية العالمي 2014- 2015، حلّت الامارات أولى عربيًا، وفي المركز 12 عالميًا وقطر في المركز 16 كما حلّت السعودية في المركز 24 والكويت في المركز 40، والبحرين في المرتبة 44، وسلطنة عمان في المرتبة 46.
وتستجيب جهود تحسين تنافسية الاقتصاديات الوطنية بدول المجلس ودول المنطقة لنداءات وتطلعات المواطنين نحو اقتصاديات أكثر ديناميكية يمكنها توفير فرص أكبر ووظائف أكثر. وفي نفس الوقت تتزايد أهمية الحاجة إلى تنويع الاقتصاد في البلدان المصدرة للنفط- مصحوبة بزيادة تشغيل المواطنين في القطاع الخاص. وتواجه هذه البلدان منافسة متزايدة من مصادر جديدة للهيدروكربونات على مستوى العالم، وخصوصا أمريكا الشمالية، ويمكن أن يؤدي انخفاض الإيرادات النفطية إلى إضعاف قدرة الحكومات على الاحتفاظ بمستويات مرتفعة من العمالة في القطاع العام.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، يمثل التحول الاقتصادي عاملا رئيسيا لتعزيز تنافسية المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن البلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الأقل تنافسية على مستوى العالم. وفي المقابل، تتمتع البلدان المصدرة للنفط في المنطقة بدرجة أعلى من التنافسية، لكن مستوى تنافسيتها آخذ في التراجع، وخاصة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي– البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومن شأن هذا أن يضر بجهودها الجارية لتنويع الاقتصاد وقدرتها على توفير وظائف جديدة للمواطنين في القطاع الخاص.
ومن شأن زيادة التنافسية أن تسمح للصادرات غير النفطية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا– ولا سيما التي تحقق ربحا وتتسم بقيمة مضافة أعلى– بالمنافسة في الأسواق العالمية والمساعدة على دفع عجلة النمو المنشئ لفرص العمل والذي تقوده الصادرات.
ما الذي يمكن القيام به لتعزيز التنافسية؟ يرى صندوق النقد الدولي أن مقاييس التنافسية المتعارف عليها لاقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصاديات المتقدمة تكشف عن بعض الجوانب الهامة لتطوير القدرات التنافسية:
البنية التحتية: عادة ما يكون مستوى التنافسية أعلى في البلدان التي تعتبر خدمات البنية التحتية فيها عالية الجودة. ويمكن أن يؤدي تحسين البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية والمواني والمطارات، إلى تحسين قدرة الشركات على الاتصال بالأسواق المحلية والأجنبية، مما يمكن أن يُحْدِث تأثيرا كبيرا على الإنتاجية والنمو. وفي كثير من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تتسبب البنية التحتية الضعيفة في إعاقة حركة العمالة فقط، وإنما قدرتها الإنتاجية أيضا، وذلك على سبيل المثال من خلال عدم كفاءة حركة السلع والخدمات إلى الأسواق وعدم استقرار إمدادات الكهرباء وشبكات الاتصالات. وعن طريق الاستثمارات العامة الكفؤة والموجهة بدقة، يمكن الإسراع بتعزيز جودة البنية التحتية وزيادة فعاليتها.
رفع مستوى التعليم والتدريب: عادة ما تكون التنافسية أعلى أيضا في البلدان ذات القوة العاملة المؤهلة. ورغم الزيادات الملحوظة في معدلات الالتحاق بالتعليم، فإن جودة التعليم عبر بلدان المنطقة أقل بكثير من مثيلتها في البلدان الصاعدة والنامية الأخرى. وبالتوسع في التعليم الثانوي وما بعد الثانوي وتحسين جودته، وكذلك التدريب المهني وأثناء العمل، يمكن رفع قدرة العمالة على أداء مهمات معقدة والتكيف بسرعة مع تحرك الشركات إلى أعلى سلسلة القيمة متجاوزة عمليات الإنتاج والمنتجات البسيطة. ويمكن أن يدعم هذا توظيف المواطنين (أكثر من الوافدين) في البلدان المصدرة للنفط، لأن مهاراتهم الجديدة يمكن أن تؤدي إلى زيادة أرباح الشركات.
تطوير السوق المالية: كذلك تعتمد التنافسية على توافر رأس المال بشكل فوري. ومن الملاحظ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن ائتمان القطاع المصرفي مركز في شركات معينة. بل إن معظم الشركات في المنطقة تشير، حسب مسوح الشركات الصادرة عن البنك الدولي، إلى أن محدودية فرص الحصول على التمويل تمثل العقبة الرئيسية أمام ممارسة الأعمال. وتؤدي سهولة تدفق رأس المال إلى تيسير عمل الشركات، وقدرتها على التوسع، وانتقالها إلى عمليات إنتاجية أكثر تطورا. ومن المتطلبات الحيوية في هذا الخصوص وجود قطاع مصرفي سليم، وأسواق أوراق مالية تخضع لتنظيم جيد، وتوافر رأس المال المخاطر ومنتجات مالية أخرى.
كفاءة سوق العمل: غالبا ما تزداد التنافسية حين يكون لدى العمالة حوافز لبذل قصارى جهدها في العمل. ويمكن تعزيز مثل هذه الحوافز في دول المنطقة من خلال الإصلاحات التشريعية التي تسهل انتقال العمالة بين الوظائف في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتشجع إسناد المناصب لأصحاب الجدارة، وتسمح بمرونة الأجور مع الحفاظ على مستوى كاف من الحماية الاجتماعية.
وترتبط التنافسية ارتباطا وثيقا أيضا بعدة عوامل أخرى. ومن بينها الإصلاحات التي تيسر دخول الشركات إلى السوق وخروجها منه، وتعزز الهياكل التنظيمية والقانونية (بما في ذلك آليات الإعسار وحقوق الدائنين)، وتدعيم الحوكمة الرشيدة، وكلها يمكن أن يعود بنفع كبير على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتؤكد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه كثيرا من بلدان المنطقة أن هناك رغبة كبيرة في التحول عن الوضع الراهن واعتماد سياسات اقتصادية جديدة. ومن شأن زيادة التنافسية مساعدة اقتصاديات دول المنطقة على التحول واكتساب درجة أكبر من الديناميكية. وينبغي أن يكون هذا هو طريق المستقبل في المنطقة لتوفير فرص عادلة أكبر للجميع واستحداث المزيد من الوظائف لسكانها الشباب الذين تشهد أعدادهم زيادة مطردة.
نقلا عن اليوم