يفترض أن تكون سوق الأسهم السعودية أكثر الأسواق الخليجية تأثراً بحركة أسعار النفط باعتبار أن قطاع النفط هو المحرك الرئيس للاقتصاد السعودي، إذ يستحوذ على 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و90 في المئة من إيرادات الدولة.
ويُفترَض أن تكون للانخفاض الكبير في سعر برميل النفط تأثيرات سلبية في العديد من المؤشرات الاقتصادية السعودية، وفي مقدمها مستويات الإنفاق الحكومي والسيولة، وأداء القطاع المصرفي. وتكون سوق المال عادة عاكسة لأداء الاقتصاد في الماضي والحاضر وللتوقعات المستقبلية المتعلقة به.
وكان ارتباط حركة سعر النفط بأداء أسواق الخليج ومنها السوق السعودية متذبذباً لفترة طويلة، وكان معامل الارتباط متفاوتاً. لكنّ تقريراً حديثاً أصدرته شركة استثمار خليجية أشار إلى أن علاقة الارتباط بين تداولات خام «برنت» وسوق الأسهم السعودية بلغت 35.5 في المئة، وهي علاقة ارتباط محدودة وضعيفة.
والملفت أن السوق السعودية التي فتحت الباب أمام الاستثمار الأجنبي في النصف الثاني من حزيران (يونيو) هدفت إلى جملة أمور، أهمها السماح بتدفق سيولة جديدة عليها، تساهم في زيادة عمقها وتنويع قاعدة المستثمرين فيها، والمساهمة بالتالي في رفع كفاءتها وردم الفجوة بين الأسعار السوقية والأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة.
والتراجع الكبير في سعر النفط خلال العامين الماضي والحالي ألغى كل المكاسب التي حققتها السوق من دخول الاستثمار الأجنبي الذي رفع المؤشر من سبعة آلاف نقطة إلى أكثر من 10 آلاف نقطة. لكن هذا الانخفاض الكبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة أوجد فرصاً استثمارية مهمة للمستثمرين الأجانب في ظل تراجع أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة من دون تمييز بين الشركات القوية والضعيفة، سواء لجهة الأداء أو مؤشرات النمو.
يُذكَر ان المتوسط الشهري لسعر البرميل تراوح عام 2014 بين 80 و112 دولاراً قبل ان ينخفض إلى 62 دولاراً خلال كانون الأول (ديسمبر) 2014، ثم تراوح بين 46 و60 دولاراً بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر) 2015.
وبين كانون الأول الماضي الذي شهد فيه سعر برميل النفط تراجعاً كبيراً وأيلول الجاري، ارتفع مُعامِل الارتباط بين سعر النفط وأداء مؤشرات أسواق الخليج بين 80 و85 في المئة.
وساهمت في هذا الارتفاع سيولة المضاربين التي لم تلتفت إلى الأساسيات المتينة لاقتصادات دول الخليج أو الأداء الجيد للقطاعات أو الشركات المدرجة. وأدى الاستثمار الأجنبي دوراً سلبياً في العديد من أسواق المنطقة بعد انخفاض سعر النفط نتيجة تجاوز مبيعاته مشترياته بنسبة كبيرة، خصوصاً بعدما حذر صندوق النقد الدولي من تباطؤ بعض أسواق المنطقة هذا العام والعام المقبل في ظل توقعات بتراجع معدل النمو في بلدان منظمة «أوبك» إلى 2.8 في المئة عام 2015 و2.4 في المئة عام 2016.
وفيما تراجع سعر النفط بنسبة تجاوزت 50 في المئة، تراجع حجم التداول في السوق السعودية بنسبة 25 في المئة. ويُعتبَر حجم التداول والسيولة مؤشراً إلى سيطرة حال من الحذر وعدم وضوح الرؤية والترقب على قرارات المستثمرين والمضاربين. وشمل تراجع حجم السيولة معظم أسواق المنطقة.
وأظهرت الدراسات التي أُجرِيت على العلاقة بين سعر النفط وأداء أسواق الأسهم الخليجية توافقاً في هذه العلاقة في العديد من الفترات الزمنية، علماً أن سعر النفط انخفض عام 1998 إلى 16.42 دولار للبرميل بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت دول شرق آسيا أو النمور الآسيوية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2000 ارتفع سعر النفط إلى 47.16 دولار للبرميل قبل ان يرتفع عام 2007 إلى 65 دولاراً وخلال حزيران 2008 سجل سعر النفط قفزة تاريخية إلى 150 دولاراً تقريباً للبرميل، قبل ان ينخفض إلى 44 دولاراً في شباط (فبراير) 2009 بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية. وارتفع السعر مرة أخرى إلى 117 دولاراً خلال نيسان (أبريل) 2011.
وبرز تباين بين أداء المؤشرات الخليجية وأسعار النفط بين أول 2004 ونهاية آب (أغسطس) 2014، وشهدت سوق الأسهم السعودية بين أول 2004 ونهاية شباط 2006 تكوّن فقاعة أدت إلى ارتفاع قياسي وغير مبرر في المؤشر الذي تجاوز حاجز 21 ألف نقطة. وتبع هذا الارتفاع انفجار هذه الفقاعة وتراجع مؤشر السوق بنسبة كبيرة. ويعود التفاوت بين سعر النفط وأداء أسواق الخليج خلال فترات الارتفاع القياسي والانخفاض الكبير إلى عوامل كثيرة أدت إلى تذبذب مُعامِل الارتباط.
ويُلاحَظ أن المضاربين في أسواق الأسهم الخليجية، خصوصاً سوقي الإمارات، أدّوا دوراً مهماً في رفع مُعامِل الارتباط بين أسواق الخليج وحركة أسعار النفط خلال انخفاض الأخيرة، اعتباراً من كانون الثاني الماضي، فحقق بعض المضاربين مكاسب كبيرة من تذبذب أسعار النفط نتيجة عدم التفاتهم إلى أساسيات الاقتصاد وإلى انتعاش معظم القطاعات الاقتصادية وكثرة التوقعات بتحسن أداء الشركات في ظل استمرار الإنفاق الحكومي الرأسمالي، إذ يملك معظم دول الخليج احتياطات مالية ضخمة وتصنيفات ائتمانية متميزة وقطاعات مصرفية تتسم بالكفاءة.
نقلا عن الحياة