تعاني اقتصادات أساسية في العالم ضعف الاستهلاك المحلي، ومن هذه الاقتصادات الاقتصادان الصيني والياباني.
وتختلف السلوكيات الاجتماعية بين البلدان وتؤثر في أنماط الاستهلاك. وربما يحاول كثر من مواطني تلك البلدان السيطرة على الإنفاق الاستهلاكي بما يتواءم مع مداخيلهم، في حين يلجأ آخرون في بلدان أخرى إلى الاقتراض من النظام المصرفي لتمويل الاستهلاك، خصوصاً أولئك الذين يسعون إلى اقتناء سلع وبضائع كمالية غالية الأثمان.
ويمثل الهرم الديموغرافي في بلدان عديدة محدداً رئيساً في استشراف أنماط الاستهلاك، فالبلدان التي ترتفع فيها أعداد الشباب وصغار السن ترتفع فيها معدلات الاستهلاك نظراً إلى ارتفاع درجة الطلب من هذه الفئات ورغبتها في تحسين أنماط حيواتها.
أما المجتمعات التي ترتفع فيها أعداد كبار السن فالطلب الاستهلاكي فيها يكون عادة منخفضاً ومحدوداً ويتركز على الاحتياجات الأساسية مثل المأكل والمسكن والتنقلات.
وعانت اليابان على مدى العقود الماضية من ظاهرة شيخوخة المجتمع وتدني الطلب ما جعلها تعتمد على قدراتها التصديرية لتحقيق معدلات نمو مناسبة.
وتتميز المجتمعات الآسيوية عموماً بتواضع المتطلبات الاستهلاكية بما جعلها قادرة على رفع المعدلات الوطنية للادخار.
وبعد الأزمة الأخيرة التي واجهها الاقتصاد الصيني برزت ظواهر في الصين تؤكد بأن كثراً من الصينيين قد اتجهوا نحو تخفيض الاستهلاك وشراء البضائع والأصول العقارية.
ويمثل جيل الشباب الذين ترعرعوا خلال سنوات النمو السريع أهم الفئات ذات الاستهلاك المرتفع، وكثر من هؤلاء ممن تعدوا سن الثلاثين وتزوجوا يأملون بتحسين أوضاعهم واقتناء مساكن خاصة، ناهيك عن السلع والبضائع المعمرة.
ويوفر كثر من هؤلاء الأموال من أجل قضاء إجازات في أوروبا وأميركا.
لكن بعد الأزمة أكد كثر من هؤلاء أنهم عدلوا أنماط الاستهلاك وأجلوا اقتناء المساكن، فيما أجّل كثر من غير المتزوجين الزواج أو ألغوا الأعراس. يضاف إلى ذلك ان عدداً منهم قرر بيع شققهم والانتقال للعيش في شقق مستأجرة.
وكان لتراجع النشاط في السوق المالية وتراجع قيم الأصول المسعرة تأثيرات مهمة في العديد من أفراد الشعب الصيني الذين وظفوا أموالهم في الأسهم وغيرها من أوراق مالية.
معلوم ان الاقتصاد الصيني من الاقتصادات ذات الاعتماد على التصدير لكن السلطات حاولت ان تنشط الطلب المحلي ودفع الفئات ذات الدخول المرتفعة إلى رفع معدلات الاستهلاك.
بيد ان هذه المحاولات تواجه تحديات مهمة بعد تراجع معدلات النمو وتفاقم أزمة السوق المالية.
ولم تمنح الصين في رحلتها من الاقتصاد الاشتراكي الشمولي إلى اقتصاد السوق أهمية لتطوير المناطق البعيدة من الساحل التي ظلت بعيدة عموماً من التمتع بمعالم التغيير وتحسن الأوضاع الاقتصادية.
أما الاقتصادات الأوروبية فتمثل أنماطاً مختلفة في الاستهلاك.
لا يمكن الزعم بأن الأوروبيين يمارسون استهلاكا نهماً بل يحاولون الاقتصاد في متطلباتهم، ولا يمكن التأكيد بأن الاستهلاك غير الأساسي يمثل أهمية لشرائح واسعة في المجتمعات الأوروبية الغربية.
وتعاني المجتمعات الأوروبية ارتفاع أعداد كبار السن وانخفاض معدلات النمو السكاني الطبيعي، وربما تعوض الهجرة الأجنبية انخفاض تلك المعدلات.
ويتكيف الأوروبيون عموماً مع الأوضاع الاقتصادية التي تحيط بهم، ولذلك فالأزمة الاقتصادية التي بدأت في خريف 2008 دفعت إلى ترشيد الاستهلاك وخفض الطلب بما أثر في معدلات النمو الاقتصادية في منطقة اليورو وبلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.
ويعتمد الاقتصاد الأوروبي أيضاً إلى حد كبير على التصدير الذي يساهم بنسبة مهمة في تحسين معدلات النمو الاقتصادي.
وعندما تكون بلدان مثل الصين واليابان وغيرهما من بلدان في آسيا تعاني التراجع والركود، لا بد من أن يواجه الاقتصاد الأوروبي صعوبات، والعكس بالعكس.
وهكذا يتراجع الاستهلاك في العديد من هذه البلدان، وتشارك عوامل أخرى في تحديد معدلاته في مختلف هذه البلدان.
وتحاول الحكومات حفز الاستهلاك من خلال السياسات المالية والدعم المباشر وغير المباشر لأصحاب الدخول المتدنية أو المحدودة، كما تعمل المصارف المركزية لحفز النمو خلال السياسات النقدية التي تخفض سعر الحسم من أجل تشجيع المستهلكين على الاقتراض وبالتالي رفع مشترياتهم السلعية والتمتع بالخدمات المتنوعة.
وتحسنت في الولايات المتحدة الأوضاع الاقتصادية نسبياً وانخفضت معدلات البطالة وبينت الإحصاءات ارتفاع ثقة المستهلكين وارتفاع أعداد المساكن المشتراة في مختلف الولايات.
ويمثل الإنفاق العام في الولايات المتحدة أهمية في حفز الاستهلاك والنشاط الاقتصادي الخاص، كما ان سياسات الحفز التي اعتمدها مجلس الاحتياط الفيديرالي أدت دوراً مهماً في تنشيط مختلف المجالات وعززت الاستهلاك الخاص.
وإذا كانت الولايات المتحدة من أهم الأسواق المستوردة من بلدان مثل الصين وألمانيا واليابان وفرنسا وغيرها من بلدان فهل يمكن أن تتغير الأحوال إلى الأفضل خلال الشهور المقبلة في تلك البلدان؟ لا شك في ان عملية الانتعاش الاقتصادي تتطلب تعاوناً عالمياً وتحسن الأوضاع في أكثر من اقتصاد رئيس.
ولا يزال اقتصاديون في الولايات المتحدة يراقبون بحذر التحسن في الأداء الاقتصادي هناك، ويزعم بعضهم ان التحسن مازال هشاً.
وأشار صندوق النقد الدولي في تقاريره الأخيرة إلى أن معدل النمو للاقتصاد العالمي سيكون بين ثلاثة و3.3 في المئة. وأكدت تلك التقارير أن من أهم العوامل الحافزة للنمو هي التسهيلات التمويلية المنخفضة التكاليف، وتعمل المصارف المركزية لتوفيرها وتطوير سياسات مالية ملائمة.
ويرى صندوق النقد الدولي أن انخفاض أسعار البترول قد يعزز من الاستهلاك ويحسن كفاءة الإنتاج. وغني عن البيان أن ارتفاع مستويات التوظيف وتراجع معدلات البطالة في بلدان مهمة في أوروبا مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا قد يرفع الآمال بالقدرة على تجاوز الركود وتحسين مستويات الاستهلاك المحلي.
نقلا عن الحياة
يعطيك العافيه ..