على الرغم من أن أسعار النفط قد بدأت في الانخفاض الحاد قبيل نهاية العام الماضي واستمرت خلال العام الحالي إلا انه بسبب المبالغة بالتطمين بالتصريحات والتحليلات عن تحمل الميزانية لانخفاض أسعار النفط ومحدودية التأثر وعدم الشفافية مبكرا فيما اتخذ من إجراءات لتغطية العجز تسبب في انتشار الشائعات حول حجم الاقتراض والتسييل للاحتياطيات، وقد ساهم الإعلان المتأخر بإصدار السندات في إحداث صدمة لدى من كان مغيباً عن الإجراءات الطبيعية التي تستخدمها جميع الدول، مما كان له الأثر المبالغ فيه على الحركة التجارية محليا والسوق المالي الذي يغلب على تداولاته الأفراد الذين يعلمون بانهيار الأسواق العالمية ولكن أمام رؤيتهم للأسعار المغرية يترددون في الدخول لخشيتهم من آثار العجز المالي وما سيتم اتخاذه داخليا لمعالجته وأثر ذلك على النمو ودخل المواطن.
وبالإضافة لإصدار السندات فالمتداول حاليا إشاعات وتوقعات عن قرارات ووسائل ستتخذ لمعالجة العجز، والتي تتمثل في الخوف من أن يتم اللجوء إلى نفس ماسبق اتخاذه قبل أكثر من (25) عاما عندما واجهت الميزانية عجزا كبيرا بسبب انخفاض أسعار النفط وكمياته بتخفيض عام للإنفاق والوظائف ورفع أسعار مواد وخدمات أثرت مباشرة على دخل المواطن ولم تساهم في ترشيد الإنفاق كما بُرر حينها بدعم من "إحصاءات مُجملة" لعدم توفر النقل العام والأجواء الحارة بمناطقنا والعدد الكبير لأفراد أسرنا مقارنة بالمجتمعات الأخرى!
ومع أن معظمنا ما زال يستغرب الحديث عن العجز والاقتراض استنادا للتصريحات وما ينشر عن حجم الاحتياطيات الكبير، إلا أن عدم إدراك أهمية استمرار وجود الاحتياطات الأجنبية والصعوبة أساسا في تسييلها يتطلب الأمر الشفافية المبكرة في إيضاح مايواجه الميزانية -ما دام الرأي العام مهيئاً لذلك- بدلا من تأجيل ذلك لنهاية العام بهدف تلافي صدمة أخرى بما قد يتخذ من إجراءات لمعالجة العجز، وبحيث يتم إعادة النظر في آلية البحث للإيرادات والمصروفات وفق رؤية عليا تنظر للمصلحة العامة وتأخذ في الاعتبار أن الطفرة الأخيرة رفعت تكلفة المعيشة وبدون أن يتناسب دخل معظم المواطنين معها ولم يستفاد من المشاريع التي تخفض جزءا من التكلفة لتأخر إنجازها!
بل يجب أن يستمر التعيين على الوظائف التي تفرضها الحاجة وتدفق الصرف للمقاولين ومستحقات المواطنين بشكل عام وعدم تخفيض متطلبات رئيسة للتشغيل والصيانة للمحافظة على ممتلكات الدولة وأيضا حتى لا يتم خنق الاقتصاد المحلي بشح السيولة، فالسيولة المحلية التي تتدفق لحسابات المواطنين والمقاولين من أهم الوسائل لاستمرار النمو ولو بنسب أقل والأهم هو تغطية التزامات القروض والأعمال محليا لتلافي المشاكل المالية ولضمان استمرار الدورة الاقتصادية المناسبة في ظل العجز المالي المتوقع نهاية العام!.
انه بالتأكيد عند إعادة النظر في المصروفات سنكتشف أن هناك مشروعات ونفقات معتمدة لم تعد لها أولوية بالظروف الحالية ويمكن إلغاؤها وهناك مشروعات مبالغ فيها يمكن تخفيضها أو تأجيلها وجميعها ستوفر المليارات وبدون المساس بالمواطن كموظف عام أو خاص أو متقاعد، كما أنه بالجانب الآخر توجد أفكار عديدة لرفع الإيرادات بنسب أو رسوم مقبولة وغير مؤثرة على القطاع التجاري الذي ما زال يستفيد من خدمات حكومية مجانا أو بمبالغ قليلة محددة بأنظمة قديمة، بالإضافة إلى انه يمكن رفع أسعار الطاقة على المنتجات التي تصدر للخارج ويستفيد من الدعم دول أخرى وإعادة النظر في إعفاءات ضريبية على المستثمر الأجنبي الذي لم نستفد حقا من معظمهم، وكذلك رفع العقوبات المالية على الجرائم والمخالفات التجارية والغش بهدف رفع الإيرادات وضبط الجودة؛ ولكن يبقى الأهم أن يكون هناك توازن في آليات المعالجة للعجز بإيقاف الهدر المالي وليس مجرد تخفيض للإنفاق وتدرج معقول عند رفع الإيرادات حتى لا تتسبب معالجة العجز في ارتفاع تكلفة المعيشة ومعدل البطالة!.
نقلا عن الرياض