يقصد الكثير من مضاربي الأسهم الحصول على تسهيلات ائتمانية لأجل المضاربة أو الاستثمار بالأسهم, وذلك بضمان المحفظة الاستثمارية, وتختلف عقود البنوك من حيث حجم التمويل قياساً إلى الضمان المطلوب, وكذلك في العديد من اشتراطات العقد, وبالأخص فيما يخص حق البنك في التسييل, عندما تصل المحفظة الضامنة للتسهيلات الممنوحة نسبة محددة, تختلف من بنك لآخر, فالبعض يمنح نفسه حق التسييل عندما يصل جميع المحفظة نسبة (150%) من التسهيلات, وبعضها الآخر يمنحه لنفسه عندما تصل المحفظة نسبة (125%), وما إلى ذلك من الاشتراطات الأخرى.
وللتوضيح للقارئ غير المختص, فإن المستثمرين في الأسهم يقصدون الحصول على تسهيلات بضمان محافظهم, فبدلاً من أن يضارب أو يستثمر بقيمة موجوداته ولنقل أنها مليون ريال, فإنه بضمان محفظته يرغب بالحصول على مليون آخر, ليُتاجر بمبلغ المليونين, طمعاً في المزيد من الربح في حال الارتفاع, وقابلاً للمخاطرة والخسارة في حال الانخفاض.
والبنوك كثيراً ما تسعى لحث عملائها على الحصول على هذه التسهيلات للمتاجرة بالأسهم, لما في ذلك من تحقق ربحين لها؛ الربح الأول المتحصل من عقد التسهيلات, والثاني المتحصل من العمولات البنكية التي ستجنيها من زيادة التداول شراءً وبيعاً على المحفظة.
إنني أجزم من خلال متابعاتي للعديد من قضايا المديونيات التي ترتبت على حاصلي التسهيلات لأجل المتاجرة بالأسهم, أن هذا النوع من التمويل يحتاج إلى الكثير من التنظيم, بل إنه أحد أهم الأسباب الحقيقية للانخفاضات الحادة في سوق الأسهم, إن لم يكن في كثير من الأحيان السبب الرئيسي الأول.
كنتُ قد سألتُ أحد البنوك المانحة لهذا النوع من التسهيلات, وذلك قبل فترة ليست بعيدة, عن الاشتراطات لمنح التسهيلات, فكان البيان أنه إن كنتُ مستثمراً في السوق فإن البنك يمنحني لقاء مبلغ محفظتي تمويلاً قدره (50%) من قيمة المحفظة, في حين أنه إن كنتُ مضارباً في السوق فإن البنك يمنحني تمويلاً قدره (100%) من قيمة المحفظة.
فتعجبتُ لذلك, حيث إنه من المعلوم لجميع المختصين أن أحد أهم الأسباب في انهيارات عام 2008م كان تسييل المحافظ بسبب تسهيلاتها, مما نتج عنه بيوع بالجملة هوت بالسوق إلى مطبات وانزلاقات فهاوية.
فكيف تساهم البنوك مرة أخرى –دون أن تتعظ– بل كيف تسمح لها الجهات الرقابية, بل كيف يطمع المضارب بزيادة ربحه دون أن يفكر ملياً باحتمالية تعرضه للخسارة.
تعجبتُ لذلك, إذ أن الذي أعرفه أن المستثمر عادة ما يختار الشركات المستقرة, وبالتالي فهو أقل عرضة للخسارة قياساً بمخاطرة المضارب, وأن البنوك عندما تمنح التسهيلات يهمها بالدرجة الأولى ضماناتها, فإذا علمنا أن المستثمر أكثر ضماناً من المضارب فكيف يُمنح الأول (50%) بينما يُمنح الثاني (100%)!!؟
فتأكدتُ أن التاجر والبنك مشتركان في طمع غير منظم ولا مدروس, وإن أدى بكلاهما إلى انزلاقات فهاوية!! ولعلي أرى أن مسؤولية البنوك أكبر حيث إنها أحد أهم محركات الاقتصاد الوطني.
هذا الطمع الذي أودى بكثير من التجار لخسارة جميع ما يملك, بل إن البعض لحقته مديونيات باهظة وأحكام قضائية قاسية. وذات الطمع أودى كذلك في بعض الحالات والقضايا لأن تخسر بعض البنوك حتى من رأس مالها بعد أن هلك جميع ضمان عملائها, وإن كانت خسارة البنوك محدودة.
وعلى ذلك ولتكرار الحالة, بانخفاض الأسهم, فتسييل محافظ, فمضاعفة الخسائر والانخفاضات, كان لزاماً على الجهات الرقابية, ولعلها هنا تحديداً مؤسسة النقد العربي السعودي أن تدرس الآتي:
1-دراسة اشتراطات منح التسهيلات لأجل المضاربة والاتجار بالأسهم, فليس من المقبول -على سبيل المثال- أن يُمنح المضارب أكثر من المستثمر.
2-تحديد الحد الأعلى لمقدار التسهيلات الممكن أن تُمنح لجميع عملاء البنوك في وقت واحد, درءاً لعدم إغراق السوق بسيولة لا يتحملها.
3-تحديد نسبة التسهيلات لحجم ضمان المحفظة, مع مراعاة قوة العميل وضماناته الأخرى.
4-دراسة اشتراطات وضوابط تسييل البنوك للمحافظ عندما تنخفض إلى النسبة المتفق عليها, ومن ذلك التدرج في النسب, فنسبة للإنذار, ونسبة للتغذية خلال مدد محددة, ونسبة للتسييل, ومن ذلك صيغ إشعارات العميل, وتوقيت التسييل بحيث لا يكون بوقت غير ملائم يُضر به العميل أو البنك أو السوق, ونحو ذلك.
5-دراسة البدائل الممكنة التي تُجنب العميل التسييل في حال رغبته ومن ذلك قبول ضماناته الأخرى, وتقدير ملاءته وجدارته الائتمانية بوجه عام, وذلك حماية للعميل من مضاعفة خسائره, وأيضاً حماية جميع السوق من تبعات التسييل فالخسائر المضاعفة الممتدة على الجميع, وغير ذلك مما لا يتسع المقال له.
6-دراسة وإقرار سياسة ائتمانية واضحة للتسهيلات في المملكة, وأثرها على الاقتصاد وانهيار الأسواق, وإلزام البنوك بها.
نقول ذلك لثقتنا بأهمية التنظيم والتشريع وسن الضوابط, فقد قامت مؤسسة النقد العربي السعودي مشكورة بصياغة ضوابط واشتراطات التمويل العقاري والاستهلاكي, والحاجة إليه أكبر ومخاطره أقل قياساً بالتمويل لأجل الأسهم, وهو ما نتوقعه ونتوخاه من مؤسسة النقد بقيادة معالي محافظها المخلص.
وبخاصة أن موضوع الأسهم في مملكتنا الغالية يمس شريحة عريضة جداً من الشعب الذي كلما استثمر طامعاً بالربح هزته زلازل وارتدادات خسفت به, وكانت البنوك والتسهيلات سبباً رئيساً في ذلك, مما يجب تنظيمه. والله من وراء القصد.
كلام منطقي واجزم ان الجميع بما فيهم مؤسسة النقد على علم تام بما يحدث ولا يأبهون لانهيارات السوق المتكرره بسبب التسهيلات خصوصا انهم رابحون في كل الحالات ولم يخسر سوى صاحب التسهيلات وبقية المساهمين اللذين يتضررون بسبب البيع الجائر من قبل البنوك
منذ الانهيار الاول عام ٢٠٠٦ وماتلته من انهيارات كلها التسهيلات والتسييل عامل اساسي فيها من بين عوامل اخرى .. ومع هذا لم يتم وضع اي ضوابط او تنظيمات لحماية الناس من هذه الانهيارات التي اودت باموالهم وحتى بارواح بعضهم .... مع الاسف .
مقال موفق ورائع .. وللأسف .. لانعلم حجم المحافظ التي تم تسييلها بسبب التسهيلات