لم يبق أمامنا إلا اتخاذ إجراءات وقرارات راديكالية، شديدة التطرف في تغييرها للوضع الحالي، لمواجهة التحديات الاقتصادية التي نقع تحت وطأتها اليوم. فلا يخفى أن الاقتصاد السعودي رغم ضخامته إلا أنه يختزل ببساطة في سعر برميل النفط. ويظهر لنا الآن أن زمن النفط الغالي قد ولى، وأن العودة إلى مستويات المائة دولار، بل وحتى الثمانين دولارا لم يعد ممكنا في المستقبل القريب.
المشكلة تبدأ من كون السعودية تعمل على استخراج نفطها بطاقتها القصوى والتي قاربت 11 مليون برميل يوميا. ولكن العوائد في انحسار تحت ضغط كل من سعر السوق والاستهلاك المحلي المفرط. ومع الزيادة المطردة كل عام في احتياجات السكان الأساسية، فإن النفقات غير الفعالة والمكلفة مثل دعم المحروقات ستطرح على لائحة المراجعة على الرغم من الأثر السلبي الحتمي على القوة الشرائية للمواطن. الأمر الذي ينبئ بتقليص النفقات الحكومية كما فعلت الإمارات في ميزانيتها للعام المقبل.
تراجع الإنفاق الحكومي سيعمل على تباطؤ الاقتصاد ككل، ما سيدخل الاقتصاد السعودي في حلقة مفرغة من التباطؤ سببها الاعتماد المفرط على النفط. فالصناعة إن لم تكن مدعومة بشكل مباشر على أسعار الطاقة التفضيلية، فهي تعتمد على ما تخصصه الدولة لمشاريع تطويرية. صحيح أننا لم نشهد مثل هذا التباطؤ مع بداية انخفاض أسعار النفط، وذلك لقيام الحكومة بالسحب من احتياطياتها المالية، إلا أن ذلك ليس بالحل المستدام. فمنذ بداية العام ومؤسسة النقد العربي السعودي تصدر تقاريرها الشهرية التي تفصح عن تقلص حجم الاحتياطيات المالية شهرا بعد شهر. حتى وصل إجمالي السحوبات إلى أكثر من 200 مليار ريال في ستة أشهر. ولذلك لجأت الحكومة إلى العودة إلى الدين العام.
المشكلة ليست في سعر النفط المنخفض الذي يراوح حول 45 دولارا، إنما في التوقعات المستقبلية التي تعمل ضد ارتفاع سعر البرميل. السبب الأول يعود إلى الاتفاق النووي الإيراني المزدوج التأثير، فهو يعمل على التعجيل بعودة النفط الإيراني إلى السوق، وفي نفس الوقت يعطي للحزب الجمهوري ورقة ضغط للسماح بتصدير النفط الأمريكي. كل ذلك يؤدي إلى تفاقم حالة التخمة التي تعيشها الأسواق مع تباطؤ الطلب على النفط. السبب الثاني هو الدولار المرشح للاستمرار في دورته الصاعدة، ما يزيد تكلفة استخدام النفط على الدول غير الدولارية. وأخيرا، فإن احتياجاتنا المالية تفرض علينا تعويض السعر المنخفض بالمزيد من الإنتاج لدعم الإيرادات الحكومية.
ما نحتاجه هو تحويل كامل لبيئة وطريقة عمل الاقتصاد السعودي. فكل عنصر من منظومة الاقتصاد مهمة ومرتبطة بالنفط، استهلاكا أو اعتمادا على إيراداته. فمراجعة المشاريع الحكومية وتقليصها وإلغاء غير المهم منها ضروري، وتقليص حجم العمالة الوافدة الفائضة عن الحاجة، ليخف الضغط على المساكن واستهلاك المحروقات.
فيما يخص الدعم السخي للمحروقات، فانتظار استكمال منظومة النقل العام سيكلفنا الكثير. لا يهم إن كان الإجراء المتخذ برفع تكلفة الوقود أم بتحديد سقف أعلى للاستهلاك، فمن الضروري تخفيف هذا العبء عن الميزانية. وكذلك فإن علينا إيجاد حلول لتلبية احتياجاتنا من الكهرباء بالطاقة النووية والبدء بالعمل على الطاقة الشمسية، ومعالجة نوعية المساكن وفرض استخدام العزل الحراري بشكل صارم، لتخفيض استهلاكنا من النفط. المشكلة في هذه الحلول الراديكالية الصعبة هي أننا بحاجة لإقرارها كل ذلك يجب أن يبدأ اليوم وبسرعة.
نقلا عن اليوم