لماذا خفضت الصين قيمة "اليوان؟ وما تأثير ذلك على الأسواق؟

12/08/2015 9
خالد أبو شادي

فاجأت الصين الأسواق أمس الثلاثاء بخفض قياسي للسعر المرجعي الذي يحدده يوميا بنك الشعب عملتها اليوان أمام الدولار وهو ما ألقى بظلاله على الأسواق لا سيما العملات والسلع.

واتفقت آراء كثيرة في ارجاع ذلك لبيانات اقتصادية ضعيفة من الصادرات التي تراجعت بشكل حاد 8.3% خلال الشهر الماضي، وهو صحيح إلى حد كبير، فالصين يهمها هنا اقتصادها بغض النظر عن ارجاع احتمال حدوث ذلك كخظوة نحو تحرير أكثر لتكون العملة الصينية ضمن سلة احتياطي صندوق النقد.

ونجحت الصين إلى حد ما في دعم صادراتها عن طريق التحكم في سعر الصرف خلال الأزمة المالية العالمية وما بعدها، ودعم ذلك نمو قوي للاقتصاد، لكن الحال اختلف الآن مع التباطؤ الواضح للنمو.

وحتى اذا قصدت الصين ضرب عصفورين بحجر لدعم صادراتها، ولفت نظر صندوق النقد تجاه عملتها وامكانية دخولها سلة عملات الاحتياطي، فإنها ستكون تحت المراقبة الدقيقة، حيث سيراجع الصندوق تلك السلة خلال الخريف القادم، وهو ما يعني ضرورة  ترك اليوان لقوى السوق لإقناع مسؤولي المؤسسة الدولية بجدية التحرك.

هذا يعني مزيدا من التذبذب والضغط على عملات آسيوية في مقدمتها: الوون الكوري، الدولار السنغافوري، والدولار التايواني، فضلا عن الروبية الهندية والرينجت الماليزي بجانب الدولار الاسترالي بسبب أهمية شراكة الصين لأستراليا تجاريا.

لكن التأثير الأبرز هنا على النفط الذي هبط لأدنى مستوياته منذ مارس/آذار عام 2009 قرب 43 دولارا يوم أمس الثلاثاء، فالصين ثاني أكبر مستهلك للذهب الأسود بعد أمريكا، وتلك الخطوة سترفع تكلفة استيراده، بجانب أن النفط يتعرض لضغط بسبب اتفاق ايران النووي، فضلا عن ارتفاع انتاج "أوبك"، في الوقت الذي بدأت فيه اليابان اعادة تشغيل أول مفاعل نووي للمرة الأول بعد كارثة فوكوشيما قبل أربعة أعوام مما يعني تقليص الاعتماد على النفط لتوليد الطاقة.

لماذا الآن؟

هذا تساؤل منطقي وأخشى أن تكون الخطوة فرضت نفسها "قسرا" على بنك الشعب الذي اضطر لتفعيل استخدام أدوات غير تقليدية لدعم الاقتصاد بعد ضعف النمو الذي حاول انعاشه من خلال سلسلة من خفض الفائدة "ثلاث مرات" هذا العام، كان آخرها في السابع والعشرين من يونيو/حزيران.

تباطؤ النمو بات واضحا لا مفر منه، وهذا التحرك بخفض قيمة اليوان الذي ألمح بنك الشعب إلى انه "استثنائيا" من الواضح أنه لن يكون كذلك بعد "الضربات" التي وجهها سوق الأسهم الصيني للمستثمرين خصوصا المحليين.

الرسالة التي ستصل إلى العالم سلبية عن بكين، فهي أحد أهم قاطرات النمو العالمي، وبالتالي ستتأثر الأسواق بهذا التوجه الذي يعني استمراره اشعال فتيل "حرب عملات" بقصد أو دون قصد ومن ثم تأثر أسعار السلع وحركة التجارة.

الصين ربما لا تحاول اللعب النار هنا لأن ما يعنيها هو دعم الاقتصاد، الأمر برمته يرجع للمصالح، لكنها لا تعيش وحدها ولن تتأثر وحدها، لكنها ستكتوي بالنار مع الآخرين ..لماذا؟.

 لماذا؟

بغض النظر عن ارتفاع فاتورة خدمة ديون الشركات المقترضة بالعملات الأجنبية، وزيادة تكلفة الواردات مع التخلي عن سياسة اليوان القوي لدعم الطلب المحلي، فإن فرار رؤوس الأموال يكون منطقيا تبعا لتحليل الوضع.

فما الذي يجبر رؤوس أموال أجنبية مقومة باليوان على البقاء في بلد عملته تتراجع، والنمو يتباطأ، وقد أتت في الأساس للاستفادة من معدل دوران سريع لرأس المال، وعائد مجز بدعم من نمو قوي بات فاترا بالمقارنة مع سنوات سابقة تجاوز فيها 10% "معدل النمو 7% خلال الربع الثاني وهو الأقل منذ عام 2009".

إذا هدف البنك المركزي من ذلك دعم الأسهم وتحسين صورة سوقها بعد هبوط حر وتذبذب كبير محا تريليونات اليوان من القيمة السوقية لأسهم بورصة شنغهاى فهو يغامر إن لم يكن يقامر، لأن رد الفعل بان في تحرك نحو الملاذات الآمنة من الذهب والسندات، وربما زاد التوجه مع استمرار مثل هذه الخطوات لخفض أكبر لقيمة اليوان.

وأذكر في هذا الصدد التقرير الذي نشرته "أرقام" نقلا عن "وول ستريت جورنال" بضخ 1.3 تريليون دولار في سوق الأسهم للسيطرة على تراجعه العنيف.

هل يحاول البنك المركزي اختبار وقياس رد فعل السوق؟

نعم قد يكون هذا واردا، لكنه في النهاية يصب في صالح الاحتمال المذكور آنفا، وهو اضطراره لتفعيل أداة غير تقليدية وما تحمله من رسائل على رأسها دعم سياسة نقدية توسعية بعد فشل الأثر الايجابي على الاقتصاد من خفض الفائدة أربع مرات منذ نوفمبر/تشرين الثاني.

وهنا لا بد من الاشارة إلى احتمالية تأثير ذلك على قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماعه المزمع الشهر القادم، فمع استمرار ارتفاع الدولار من خلال مؤشره "دولار اندكس" وهو الأهم هنا سيكون من الصعب اتخاذ قرار رفع الفائدة خلال هذا الاجتماع بغض النظر عن ظروف الاقتصاد الأمريكي التي تتحسن.